ثالثًا: ما يرجع فيه لاستكشاف مرادات المتكلمين عندما يطلقون الألفاظ ويدخل في هذا القسم ما يرجع للدلالات الالتزامية إذا كان منشأ الدلالة الملازمة العرفية كحكم الشارع مثلًا بطهارة الخمر إذا انقلب إلى خل الملازم عرفًا للحكم بطهارة جميع أطراف إنائه.
رابعًا: ما يستكشف به ما يمكن الاحتجاج به وهو بناء العرف العام على الأخذ بالظواهر أو الأخذ بقول الثقة أي ما يستكشف به الحجة الأصولية.
ويختلف هذا القسم الرابع عن القسم الأول بأن هذا يشير إلى الأصول المستكشفة بينما يركز الأول على الفروع الفقهية ويمكن جمعها تحت عنوان واحد فيقال ما يستكشف به الحجة أو الحكم الفرعي.
هل العرف أصل قائم برأسه؟
إذا استعرضنا مجالات العرف الماضية وجدنا أنه لا يشكل أصلًا قائما برأسه في قبال الأصول الفهية الأخرى.
فالمجالان الأول والرابع يرجعان إلى السنة عبر اعتمادهما على الإقرار والإمضاء الشرعي والسنة قامت على معقد العرف (أي الحجة أو الحكم) ولم تقم على العرف نفسه حتى نقول بحجية كل ما قام العرف عليه، وأما المجالان الآخران فهما يشخصان صغيرات السنة.
ولكن يبدو من البعض اعتبار العرف دليلًا مستقلًا برأسه.
قال ابن عابدين: واعلم أن اعتبار العادة والعرف رجع إليه في مسائل كثيرة حتى جعلوا ذلك أصلًا فقالوا في الأصول في باب ما نترك به الحقيقة، تترك الحقيقة بدلالة الاستعمال والعادة هكذا، ذكر فخر الإسلام انتهى كلام الأشباه وفي شرح الأشباه للبيري قال في المشرع: الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي، وفي المبسوط: الثابت بالعرف كالثابت بالنص. (١) .
ولا يمكن الشك في عدم صحة كونه أصلًا مستقلًا في الكشف عن واقع التشريع الإسلامي، لأن العرف يخطئ بلا شك ولا يعرف الكثير من المصالح والمفاسد الواقعية فليس له حجية مستقلة وإنما هو كما مر يكشف عن السنة إذا امتد إلى عصر المعصوم ولم يتم ردع عنه – وبتعبير آخر يبقى العرف دليلًا ظنيًّا وكاشفًا ناقصًا إلا أن يتم تتميم كشفه وسد نقصه بدليل آخر.
والذي أعتقده أن مصطلح (الأصل) يستعمل استعمالات متنوعة وربما كان المراد هنا أن العرف قد يكون مرجعًا يحتاج إليه للوصول إلى الحكم لا أن يراد به كونه أصلًا في قبال أصول الفقه الأخرى، والشاهد على ذلك ما عبروا عنه بقولهم:(تترك الحقيقة بدلالة الاستعمال والعبادة) وهم بذلك يشيرون إلى مجال استكشاف مراد المتكلمين.