والمقصود بها الأدلة على اعتباره أصلًا بذاته وهي متعددة:
منها: ما استدل به بعض العلماء – كما ذكر ابن عادبين – من قوله سبحانه وتعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ}[سورة الأعراف: الآية ١٩٩] ، باعتبار أن المراد بالعرف هو عادات الناس وممارستهم.
إلا أن الآية كما هو ظاهر تشير إلى ما ارتكزت عليه النفوس والعقول من تصورات عن العدالة، وما عاد معروفًا لدى الجميع بالحسن وهو بعيد عن مسائل الأعراف حتى لو كانت عامة وأكثر التصاقًا بمسألة الفطرة المرتكزة في جميع النفوس، ولا أقل من الاحتمال فيبطل الاستدلال، وربما يؤيد هذا الاحتمال برواية صحيح البخاري عن عبد الله بن الزبير في قوله:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} قال: " ما أنزل الله هذه الآية إلا في أخلاق الناس ".
ومنها: رواية عبد الله بن مسعود ((ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن)) وقد استدل به السرخسي في المبسوط وابن الهمام وقد أشكل على الرواية بأنها مقطوعة يحتمل أن تكون كلامًا، لابن مسعود لا رواية عن النبي صلى الله علية وسلم، وهذا ما أكده ابن عابدين حين نقل قول العلاء إذ قال: لم أجده مرفوعًا في شيء من كتب الحديث أصلًا ولا بسند ضعيف بعد طول البحث وكثرة الكشف والسؤال وإنما هو من قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه موقوفًا عليه أخرجه الإمام. أحمد في مسنده. (١) .
على أن الاستدلال هنا أضيق من المدعى فما أكثر الأعراف غير المعللة بالحسن ومع ذلك فالحديث يشير إلى صغريات حكم العقل أو الإجماع.
ومنها: قولهم أن الشارع راعى الكثير من أعراف العرب واعتبر الإمام مالك عمل أهل المدينة إجماعًا كافيًا ودليلًا شرعيًّا عند عدم النص.
والحقيقة أن ذلك لتوافق تلك الأعراف مع تعاليم الشارع وكشفها عنها لا غير لا لأنها مراجع أصلية يرجع إليها كمقررة للحكم الشرعي.
ولم أجد أدلة قوية أخرى يعتمد عليها في البين.
وخلاصة البحث:
إن العرف ليس أصلًا من أصول الفقه وإنما يرجع إليه في بعض المجالات للكشف عن السنة أو تشخيص المرادات.