للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر ابن عابدين أن بعض العلماء استدل على اعتبار العرف بقول الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} . (١) ، فقال: كل ما شهدت به العادة قضي به لظاهر هذه الآية. (٢) .

وبعد أن تقرر اعتبار العرف في الشريعة الإسلامية وأنه دليل يرجع إليه الفقيه إذا أعوزه دليل آخر أرجح منه بقي أن نعلم أن لهذا العرف الذي يقول به الفقهاء شروطًا لا بد من توفرها:

أولًا: أن يكون العرف غالبًا مطردًا وفي هذا يقول ابن نجيم: "إنما تعتبر العادة إذا اطردت أو غلبت"، ولذا قال الفقهاء في البيع لو باع بدراهم أو دنانير وكانا في بلد اختلفت فيه النقود مع الاختلاف في المالية والرواج انصرف البيع إلى الأغلب لأنه المتعارف فينصرف المطلق إليه.

قال السيوطي: "إنما تعتبر العادة إذا اطردت، فإن اضطربت فلا ومن هنا جاءت القاعدة الفقهية: "العبرة بالغالب الشائع لا بالنادر". (٣) .

ثانيًا: ألا يخالف العرف نصًّا من نصوص الشرع أو قاعدة من قواعده المقررة وفي هذا يقول الإمام السرخسي: "وكل عرف ورد النص بخلافه فهو غير معتبر". (٤) . والمخالفة القادحة في العرف هي ما إذا كان في العمل به إبطال للنص من كل وجه وبالكلية. أما إذا لم يكن كذلك كما إذا كان النص عامًّا وكان هناك عرف يخالفه في بعض أفراده إنه يعمل بهما معًا ويكون العرف في هذه الحالة مخصصًا للنص لا مبطلًا له ولذلك جوز الفقهاء الاستصناع لتعارف الناس عليه وتعاملهم به مع أن النص ورد بالنهي عن بيع الإنسان ما ليس عنده وهو صادق على الاستصناع فعمل بمقتضى النص في غير الاستصناع وعمل بالعرف في الاستصناع.

ثالثًا: ألا يكون هناك اتفاق بين المتعاقدين على استبعاد العرف:

إذا صرح المتعاقدان أو اتفقا على استبعاد ما يتعارف عليه الناس في بعض المعاملات نفذ الاتفاق وأهمل العرف. فمثلًا لو كان هناك عرف على أن تكون مصاريف تسجيل العقد أو نفقات شحن البضاعة على المشتري واتفق العاقدان على أن يكون ذلك على البائع عمل بهذا الاتفاق بالإجماع ولا عبرة بالعرف.


(١) سورة الأعراف: الآية ١٩٩.
(٢) راجع أصول الأحكام: ص١٤١.
(٣) الأشباه والنظائر، للسيوطى: ص٩٢.
(٤) راجع المبسوط: ١٢ /١٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>