للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما تقدم يتبين أن الفقهاء قديمًا وحديثًا باختلاف مذاهبهم قد أخذوا بالعرف واعتبروه دليلًا يبنى عليه كثير من الأحكام ومرجعًا في تفسير النصوص وبيان ما ترمي إليه.

يقول ابن العربي عند تفسير قول الله تعالى: ٍ {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} . (١) : العادة دليل أصولي بنى الله عليه الأحكام وربط به الحلال والحرام. (٢) .

ومن تتبع كتب القواعد الفقهية يجد كثيرًا من الشواهد على مراعاة عرف الناس وعاداتهم في الأحكام الشرعية حتى أصبح من القواعد المقررة: " المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا " و" العادة محكمة " و " الثابت بالعرف كالثابت بالنص ".

فهذه العبارات وأمثالها لا تدع مجالًا للشك في أن العرف يرجع إليه حيث لا نص، بل ويرجع إليه في تطبيق النص وفهمه.

ومن تتبع كتب الفروع يجد الكثير من الأحكام والفتاوى مبنيًّا على العرف والعادة.

أدلة اعتبار العرف:

الفقهاء في اعتبارهم للعرف استدلوا على أمرين:

الأول: التأسي بالشارع الحكيم إذا أقر الكثير من أعراف العرب وعاداتهم قبل الإسلام بعد أن نظمها لهم كما هو الحال بالنسبة إلى بعض العقود كالبيع والإجارة والمضاربة وفرض الدية على العاقلة ولم يلغِ من ذلك إلا الفاسد الضار الذي لا يصلح للبقاء كالربا والميسر والتبني وحرمان النساء من الميراث ووأد البنات.

الثاني: بعض النصوص من الكتاب والسنة رأى فيها بعض العلماء دلالة على حجية العرف، من ذلك ما رواه عبد الله بن مسعود من أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((ما رآه المؤمنون حسنًا فهو عند الله حسن)) . (٣) ، فقد استدل بهذا الحديث كل من الإمام السرخسي والكساني وابن همام من الأحناف، وكذلك السيوطي من الشافعية وغيرهم على حجية العرف فإن هذا الأثر يدل بعبارته ومرماه على أن الأمر الذي يجري عرف المسلمين على اعتباره من الأمور الحسنة يكون عند الله أمرًا حسنًا لأن مخالفة العرف الذي يعده الناس حسنًا يكون فيه حرج وضيق ولقد قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} . (٤) .


(١) سورة الطلاق: الآية٧.
(٢) راجع أحكام القرآن: ٤ /١٨٣.
(٣) هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده والراجح وقفه على ابن مسعود، كما صرح بذلك كل من الأئمة السخاوي والعلائي والزيلعي، راجع نصب الراية: ٤ /١٣٣، ١٣٤؛ والأشباه والنظائر، لابن نجيم: ص٩٩.
(٤) سورة الحج: الآية ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>