للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما العرف الصحيح فهو مالم يعارض نصوص الشرع أو ما يشهد له الشرع بالاعتبار في الجملة، فمثل هذا العرف يعتبر ويعتد به في الاستنباط وتشريع الأحكام إذ عدم اعتباره وعدم الاعتداد به يوقع الناس في الضيق والحرج ويجعل الشريعة في روحها مجافية للغرض الذي جاءت به من أجله. (١) .

حجية العرف ومذاهب العلماء في اعتباره:

اشتهر المذهبان الحنفي والمالكي في القول باعتباره حجة، وأنه أصل من الأصول التي يستند إليها في الأحكام، قال أبو زهرة: هذا أصل أخذ به الحنفية والمالكية في غير موضع النص. (٢) . ولكن عند التحقيق يتبين أن جميع الفقهاء يعملون بالعرف في هذه الحالة وفي ذلك يقول القرافي: "أما العرف فمشترك بين المذاهب ومن استقرأها وجدهم يصرحون بذلك فيها". (٣) .

ومما يؤيد كلام القرافي هذا ما ذكره في شرح مقدمة المجموع: أن سبب تغير مذهب الإمام الشافعي بعد انتقاله إلى مصر يرجع إلى اختلاف الأعراف بين العراق ومصر فخالف بعض آرائه في العراق المبنية على العرف حين وجد عرف أهل مصر يخالف عرف أهل العراق. (٤) . فهذا تصريح من علماء الشافعية على أن الإمام قد حكم بالعرف في بعض المسائل الفقهية.

وفيما يتعلق بالمذهب الحنبلي: فننقل ما قاله الدكتور عبد الله التركي في كتابه القيم "أصول مذهب الإمام أحمد " " الحنابلة كغيرهم من أصحاب المذاهب يلاحظون العرف في كثير من فتاواهم وأحكامهم وخاصة في باب المعاملات لأنهم يتوسعون فيها ويعتبرون المعاني والمقاصد ولا يقطعون عند الألفاظ فقط، وفي صيغ العقود ينظرون كثيرًا إلى ما تعارف عليه الناس، وفي الشروط في المعاملات والأنكحة يعتبرون المشروط عرفًا كالمشروط شرعًا لذلك يجرون العرف مجرى النطق". (٥) .

يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في إعلام الموقعين: " وقد أجرى العرف مجرى النطق في أكثر من مائة موضع" وذكر عدة أمثلة على ذلك. (٦) .


(١) راجع الأشياء والنظائر، للسيوطي: ص٩٣؛ والموافقات، للشاطبي: ٢ /٢٨٣ ومابعدها.
(٢) راجع أصول الفقه، لأبي زهرة: ص٢١٦
(٣) راجع الفروق: ١/ ٧٦.
(٤) راجع مقدمة شرح المجموع، للنووي: ص٦٧.
(٥) راجع أصول مذهب الإمام أحمد: ص٥٣٣.
(٦) راجع إعلام الموقعين: ٢ /٣٩٢ - ٣٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>