للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقسيمات العرف:

للعرف أقسام باعتبارات مختلفة:

ينقسم العرف – قسمة أولى – إلى عرف قولي وعرف عملي، فالعرف القولي هو أن يتفق أهل العرف على أن يراد من اللفظ غير معناه الأصلي الذي وضع له اللفظ في اللغة بحيث يتبادر إلى الذهن ذلك المعنى عند سماعه، مثال ذلك: تعارف الناس على إطلاق لفظ الولد على الذكر دون الأنثى مع أنه لغة يشمل الاثنين بشهادة الآية القرآنية: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} . (١) .

وكتعارفهم على إطلاق لفظ اللحم على غير السمك مع أنه موضوع لما يشمل السمك أيضًا، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} . (٢) .

والعرف العملي: هو ما جرى عليه الناس وتعارفوه في معاملاتهم وتصرفاتهم كتعارف الناس على البيع بالتعاطي دون صيغة لفظية لعقد البيع وتعارفهم على أن ما يدفعه الرجل لخطيبته يعتبر هدية لا يدخل في نطاق المهر.

وينقسم العرف بنوعيه القولي والفعلي – قسمةً ثانية – إلى عرف عام وعرف خاص.

فالعرف العام: هو ما تعارف عليه أهل البلاد جميعًا كتعارفهم على الاستصناع واستعمال لفظ الطلاق في إنهاء رابطة الزوجية. وهذا النوع من العرف يترك به القياس عند الحنفية ويخص به العام.

والعرف الخاص: هو ما تعارف عليه أهل بلد معين أو طائفة معينة من الناس كتعارف التجار على إثبات الديون في دفاتر خاصة من غير إشهاد عليها واعتبار هذا حجة فيما بينهم، وهذا النوع من العرف ليس له قوة النوع الأول.

وينقسم العرف باعتبار أنواعه المتقدمة – قسمة ثالثة – إلى عرف فاسد وعرف صحيح. فالعرف الفاسد ما كان مخالفًا لأدلة الشرع وأحكامه الثابتة التي لا تتغير كتعارف الناس على شرب الخمور والتعامل بالربا ولعب القمار وخروج المرأة إلى الأماكن العامة بدون حجاب وغير ذلك من الأمور التي حرمتها الشريعة لما يترتب عليها من المفاسد الدينية والاجتماعية. فمثل هذا العرف لا يعتد به ولا تبنى على مثله الأحكام لأن اعتباره إهمال لنصوص قاطعة واتباع للهوى وإبطال للشرائع ما جاءت لتقرير المفاسد، وإن تكاثر الآخذين بها يدعو إلى مقاوتها لا إلى الإقرار بها.


(١) سورة النساء: الآية ١١.
(٢) سورة النحل: الآية ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>