للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الأول

تعريف: العرف في الاصطلاح اللغوي والفقهي

العرف لغة:

هو التتابع الذي ينشأ من العادة التي تستقر في نفس الشخص من تكرار أمر معين من الأمور، تعارف الناس هذه العادة وقلدوها وتكررت محاكاتهم لها في مكان معين أو بين طائفة معينة أو أبناء مهنة معينة صارت هذه العادة عرفًا أي استقر عليها العمل جيلًا بعد جيل، وكما يجري العرف اللغوي في الأفعال يجري بالأقوال أيضًا، فالإنسان بطبيعته مضطر إلى التفاهم مع من يعيش بينهم ولا بد من التعبير بها حتى تصبح لغة عامة بينهم، ثم بتوسع الصناعات والعلوم يصبح التعبير باللغة العامية الأصلية في هذه الصناعات والعلوم. ولهذا السبب نجد أهل الحرف أو العلوم يلجؤون إلى استعمال لغة وألفاظ خاصة بهم يصطلحون عليها بطريق الابتداء أو بطريقة التداول المتكرر للدلالة على معان وأشياء تفهم بسهولة من هذه الألفاظ الاصطلاحية التي لا يقوم مقامها في الدلالة إلا شرح طويل، ولا بد من التعبير بالألفاظ التي هي أصوات اعتاد الناس التعبير بها، وغالبًا ما يكون أصل الألفاظ العرفية مجازات لغوية لا يفهم المراد منها إلا بقرينة، ثم يتكرر استعمالها فتصير مجازات مشهورة ومنتشرة بين الناس ثم يزداد شيوع الاستعمال حتى يفهم منها المراد بدون قرينة وبنفس الوقت تهجر معانيها الحقيقية.

نخلص مما تقدم: بأن العرف في الحقيقة اللغوية عادة الجماعة المتكررة في فعل أو قول من غير علاقة أو رابطة ذهنية مسبقة (١) .

أما في الاصطلاح الفقهي:

فقد عرفه الفقهاء بأنه عادة جمهور قوم في قول أو عمل: ثم توسعوا في تعريفهم للعرف، فقالوا: إن العادات التي تنتشر في البلاد وبين الناس أو بين أصناف مخصوصة من الناس لا تنشأ عن سبب واحد ولكن معظم هذه العادات إنما تنشأ عن الحاجة التي تعرض للناس لظروف خاصة بهم تدعوهم إلى عمل خاص فيما بينهم فيتكرر العمل حتى يصبح عرفًا، ومعلوم بأن للعادات والأعراف سلطانًا قويًّا على النفوس وتحكم العقول فمتى رسخت هذه العادة اعتبرت من ضروريات الحياة.


(١) انظر محمد زكريا البرديسي. أصول الفقه: ص٣٢٩؛ الزرقا، المدخل: ص٨٤٩؛ محمد موسى، المدخل: ص١٩٢-١٩٥

<<  <  ج: ص:  >  >>