ومن هنا قال بعض علماء النفس إن الأمر بكثرة تكراره تألفه الأعصاب والأعضاء ولا سيما إذا اقتضته الحاجة حتى يكون طبيعة ثانية للإنسان. وهنا نجد التطابق بين نظرة علماء النفس والسادة الفقهاء، الذين يقولون: بأن نزع الناس عن عاداتهم حرجًا عظيمًا. ويعنون بذلك: العادات التي لا تعارض كتابًا ولا سنة ولا مصلحة عامة للمجتمع أما العادات التي تتعارض مع الكتاب والسنة أو مع المبادئ الشرعية العامة أو دليل من أدلتها فإنه لا عبرة لها إلا أن فقهاء الإسلام يرشدون بعدم أخذ الناس بغير الوسائل التربوية التي جاء بها الإسلام، والأخذ بالأسلوب التدريجي لتحويلهم عن مفاسد عاداتهم وأعرافهم. وفي هذا المعنى جاء قول السيدة عائشة رضي الله عنها واصفًا سياسة التشريع الإسلامي: إنما نزل أول ما نزل من القرآن سورة فيها ذكر الجنة والنار ولو نزل لا تشربوا الخمر ولا تزنوا لقالوا: لا ندع الخمر ولا الزنى ولكن نزلت سورة فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى رشدهم نزل بعد ذلك الحلال والحرام. ولما كانت العادة وليدة الحاجة، والحاجة تختلف باختلاف في البيئة والمكان والزمان انقسم العرف في اصطلاح الفقهاء إلى عرف عام وإلى عرف خاص تبعًا لمدى انتشاره بين الناس سواء من حيث الوسط الاجتماعي أو من حيث المكان يقول الفقهاء: إن العرف يجري بين الناس في أعمال معينة وألفاظ وتراكيب لغوية معينة في معنى معين. ومن هنا كان العرف في اصطلاح الفقهاء عرفًا عمليًّا وعرفًا لفظيًّا أو قوليًّا وهو – أي العرف – تابع للعادة وناشئ عنها والعادة قد تكون حسنة وقد تكون قبيحة فيأتي العرف حسنًا أو قبيحًا لذلك، ونخلص مما تقدم إلى أن العرف في اصطلاح الفقهاء: هو ما اعتاده الناس وألفوه وساروا عليه في أمورهم فعلًا كان أو قولًا دون أن يعارض كتابًا ولا سنة. وواضح من هذه الخلاصة بأن العرف في اصطلاح الفقهاء يختلف عن الإجماع وعن الاستحسان والاستصحاب للأصل.