لما كانت الشريعة الإسلامية لها مقاصد معينة شرعت وأنزلت من أجلها: وهو جلب المنافع للناس ودفع الضرر عنهم كان الشارع الحكيم هو وحده الذي يحدد معيار النفع والضرر أو الصلاح والفساد، ومن ثم فإن فقهاء التشريع الإسلامي أجمعوا على أن العرف الصحيح الذي يحتج به هو العرف الذي يتفق ومقاصد الشريعة ولا يخالف الشريعة ولا يخالف دليلًا أو أصلًا شرعيًّا. كما وضعوا له شروطًا أخرى سنعرض لها في مواضعها من هذا البحث إن شاء الله. أما مستند العرف فقد استدل الفقهاء على أنه مصدر من مصادر التشريع الإسلامي بأدلة منها قوله تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الآية ٨٧ من سورة الحج] .
فالآية الكريمة في رأي الفقهاء تشير إلى أن المشرع إذا لم يراعِ عند تشريع الأحكام ما تعوده الناس وعرفته العقول الناضجة والفطر السليمة مما لا يعارض كتابًا ولا سنة ولا إجماعًا، أو وضع الناس في الضيق والمشقة والحرج. ومن هنا فإن اعتبار العرف مصدرًا من مصادر التشريع الإسلامى راجع إلى أصل رفع الحرج الثابت بالآية الكريمة. أما السنة فقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:((ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن)) (١) ، فالحديث يدل على أن الأمر الذي يجري عليه المسلمون يعتبر من الأمور الحسنة عند الله يرجع إليه ويعمل به.
واتفق فقهاء التشريع الإسلامي على أن العرف مستند عظيم لكثير من الأحكام الفقهية العملية بين الناس في شتى شعب الفقه وأبوابه، وأن العرف في نظر الشريعة الإسلامية له سلطان واسع المدى في توليد الأحكام وتجديدها وتعديلها وتحديدها وإطلاقها وتقييدها لأن العرف وليد الحاجة المتجددة والمتطورة حتى يكون العرف بطبيعته نظامًا حاكمًا تدور به وعليه عجلة المعاملات بين الناس ويكشف عن معاني كلامهم ومراميه ويرسم حدود الحقوق والالتزامات، ويوضح محجة القضاء، ويثري كثيرًا من النصوص التفصيلية في الأحكام التشريعية والالتزامات اعتمادًا على ما هو معروف ومألوف في شتى الوقائع والأقضية كما يغني نصوص التشريع والتقنين التي لا تستوعب جميع الوقائع التفصيلية الواقعة والمحتملة، خاصة وإن كثيرًا من الأحكام الفقهية مبني على العرف ويتبدل فيه الحكم بتبدل العرف بحيث لا يمكن بدون العرف ترتيب حكم ثابت فيه.