للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلمة ختامية

فهو يعتبر بحق نوافذ الفقه الإسلامي التي يطل منها على حياة الناس الواقعية، فيسلط عليها الأضواء لتنير الطريق للسائرين كي لا تلتوي بهم السبل عن الجادة، وليميز الخبيث من الطيب، فإذا ما انكشفت الحقائق أقر منها النافع، وألغي الفاسد الضار.

هذا: وكم من أصولي لم يقل بالعرف في أصوله ولكن على صعيد التطبيق لا يسعه إلا القول به، حتى قال ابن القيم في أمثال هؤلاء "فإنهم ينكرونه بألسنتهم ولا يمكنهم العمل إلا به".

أو كما قال القرطبي: "ينكرونه لفظًا ويعملون به معنى"، والصحيح أن الشريعة الإسلامية راعت العرف وجعلته أصلًا من أصولها – وكان أثر إقرار هذا المبدأ – اعتبار العرف وغيره أن زخر الفقه الإسلامي على مر العصور بشتى الحلول لما استجد ويستجد من القضايا بين الناس.

وما من شك أن العمل بالعرف أحد مظاهر السماحة والتيسير في هذه الشريعة الغراء، والتي قال فيها تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} ... وقال صلى الله عليه وسلم: ((يسِّروا ولا تعسِّروا، بشِّروا، ولا تنفِّروا)) .

والله من وراء القصد ... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الرئيس:

شكرًا. أحب أن أعيد إلى الأذهان أن السبب الرئيسي في عرض موضوع "العرف" على دورة المجمع – هنا صار اقتراحه في القائمة من هيئة التخطيط للمجمع – هو ما استمر في عدد من القضايا والأحوال من جعل العرف قاضيًا على النص أو مخصصًّا للنص وما جرى مجرى ذلك مما يؤثر على نصوص الشريعة، وأدلتها القطعية.

الدكتور إبراهيم فاضل الدبو:

بسم الله الرحمن الرحيم.

السيد رئيس الجلسة المحترم،

أساتذتي الحضور،

في البداية أشكر الأستاذ خليل، على عرضه الجيد الرائع لمواضيع العرف في هذا المجلس، وأود أن أقول: الحق أن العرف معتبر في الشرع ويصح ابتناء الأحكام عليه، وهو في الحقيقة ليس دليلًا مستقلًا، ولكنه يرجع إلى أدلة الشريعة المعتبرة. والدليل على اعتبار العرف ما ذكرناه في بحوثنا، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، أنا وجدنا الشارع الحكيم يراعي أعراف العربي الصالحة، من ذلك إقراره لنوع من التعامل المالي عندهم كالمضاربة والبيوع، والإيجارات الخالية من المفاسد، كما استثنا السلم من عموم نهيه عن بيع الإنسان ما ليس عنده لجريان أهل المدينة به، ونهى عن بيع التمر بالتمر، ورخص في العرايا. إن العرف في حقيقته يرجع إلى دليل من أدلة الشرع المعتبرة، كالإجماع، والمصلحة المرسلة، وسد الذرائع. احتجاج الفقهاء بالعرف في مختلف العصور واعتبارهم إياه في اجتهادهم دليل على صحة اعتباره، لأن عملهم به ينزل منزلة الإجماع السكوتي، فضلًا عن تصريح بعضهم به وسكوت الآخرين عنه. فيكون اعتباره على هذا الأساس ثابتًا بالإجماع.

<<  <  ج: ص:  >  >>