استدل القائلون بحجية العرف بالكتاب والسنة، أما الكتاب فقوله تعالى:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} . قال السيوطي: أي اقضِ بكل ما عرفته النفوس مما لا يرده الشرع، وهذا أصل القاعدة الفقهية في اعتبار العرف، وتحتها مسائل لا تحصى، كما قال السيوطي. استدل بهذه الآية أيضًا على حجية العرف غير واحد من فقهاء المذاهب، ومن الآيات التي ساقوها للاستدلال قوله تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} ، قال القرطبي العرف والمعروف والعارفة كل خصلة حسنة ترتضيها العقول وتطمئن إليها النفوس، ومنها قوله تعالى:{مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} ، قال ابن تيميمة: تنازعوا في النفقة، والراجح أنه يرجع فيه إلى العرف، ومن السنة الحديث: الوزن وزن أهل مكة، والمكيال مكيال أهل المدينة. قال العلائي: قرر النبي صلى الله عليه وسلم الاعتداد بالعرف الجاري بين الناس، ومنها قضاء النبي صلى الله عليه وسلم على أهل الأموال حفظها في النهار، وعلى أهل المواشي حفظها في الليل، قال الخطابي: لأن العرف أن أصحاب الحوائط والبساتين يحفظونها في النهار، ومن عادة أصحاب المواشي أن يسرِّحوها بالنهار ويردوها مع الليل إلى المراح.
تخصيص العام بعادات المخاطبين:
قال به المالكية وخالفهم الحنابلة.
وأما شروط اعتبار العرف والعادة فبالاستقراء هي خمسة ذكرها غير واحد ولا داعي لتعدادها.
أهم القواعد الفقهية في العرف وسلطانه؛ منها:
١- العادة محكمة.
٢- الحقيقة تترك بدلالة العادة.
٣- استعمال الناس حجة يجب العمل بها.
٤- المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا.
٥- لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان.
٦- التعيين بالعرف كالتعيين بالنص.
وخرج الفقهاء على هذه القواعد ما لا يحصى من فروع الأحكام في مختلف الأبواب الفقهية وخاصة المعاملات والأيمان والنذور. وعرض لكثير منها العز بن عبد السلام في قواعده والقرافي في فروقه، والشاطبي في موافقاته، هذا وهل الخلاف في حجية العرف حقيقي أو ظاهري؟
من المسلَّم به بين المخالفين والموافقين أن هنالك تصرفات كثيرة للمكلفين للعرف فيها مدخل، ولكن لا بد من التوسط ما بين التفريط والإفراط، خاصة بالنسبة لنفاة حجية العرف، فحيث نفوه دليلًا، ووصفوه كاشفًا للحكم لا مثبتًا له، نقول: وهل القياس وهو المصدر الرابع من مصادر التشريع المجمع عليها إلا دليل كاشف على ما قال أهل العلم؟. باعتبار أن الكتاب والسنة والإجماع هي مثبتة للأحكام فقط، وهي من المصادر الأصلية وما سواها من المصادر أو الأدلة التبعية، والعرف مصدر من المصادر الاجتهادية، نعم لا اجتهاد في مورد النص، ولم يقل مثبتو حجية العرف بأن العرف يعارض النص بوجه من الوجوه، وإن قالوا إنه مخصص، وبذلك يكون تابعًا لا أصلًا، قال صاحب المسودة: وتخصيص العموم بالعادة، بمعنى قصره على العمل المعتاد كثير المنفعة. وكذا قصره على الأعيان التي كان الفعل معتادًا فيها زمن المتكلم.