تتنوع مخالفة العرف للأدلة الشرعية أنواعًا مختلفة وذلك على النحو التالى:
١- مخالفة العرف للنص الشرعي من كل وجه:
إذا اصطدم العرف بنص تشريعي خاص من نصوص الكتاب أو السنة فلا اعتبار للعرف في هذه الحالة، كالأحكام التي كانت متعارفة في الجاهلية وحرمها الإسلام، لمصادمة تلك الأعراف لإرادة الشارع في موضوع أصبح المسلم مكلفًا بتطبيق النص والأخذ به، فلا يجوز إهماله وإعمال العرف. مثال ذلك العقود التي نهى الإسلام عن إبرامها كالملامسة والمنابذة، ويستثنى من ذلك ما إذا كان النص حين نزوله أو حين صدوره عن المشرع مبنيًّا على عرف قائم ومعللًا به، فإن النص عندئذ يكون عرفيًّا فيدور مع العرف ويتبدل بتبدله. مثال ذلك الحديث الذي نص على التساوي الوزني في الذهب والفضة، والتساوي الكيلي فيما عداها، غير أن العرف تبدل في هذه الأوزان، وهنا يأتي قول أبي يوسف رحمه الله: إن النص على بيع الحبوب كيلًا، وعلى الذهب والفضة وزنًا لكونهما كانا في ذلك الوقت كذلك، فالنص جاء موافقًا للعادة، فلما كانت العادة هي المنظور إليها في الحكم المذكور، فإذا تغيرت تغير الحكم، فليس في اعتبار العادة المتغيرة الحادثة مخالفة للنص بل فيه اتباع للنص.
٢- مخالفة العرف للنص من بعض الوجوه:
إذا عارض العرف نصًّا تشريعيًّا عامًّا، أي لم يخالف النص من كل وجه، فلا يخلو العرف من أن يكون عامّا أو خاصًّا، فإن كان عامًّا فالعرف العام يصلح مخصصا ويترك به القياس كما في مسألة الاستصناع ودخول الحمام وغير ذلك. أما لو كان العرف خاصا فللفقهاء رحمهم الله اتجاهان في اعتباره أو عدم اعتباره، وما عليه المذهب عند الحنفية عدم اعتبار العرف الخاص، ولكن أفتى كثير من مشايخهم باعتباره. مثال ذلك: لو دفع رجل إلى حائك غزلًا على أن ينسجه بالثلث – مثلًا – فقد أجاز هذا النوع من الإجارة كثير من مشايخ بلخ لتعامل أهل بلدهم بذلك، والتعامل حجة يترك به القياس ويخص به الأثر.
٣- تعارض العرف والاجتهادات الفقهية:
لا تخلو المسائل الفقهية من أن تكون ثابتة بصريح النص، وأن تكون ثابتة بضرب من الاجتهاد والرأي؛ فما كان ثابتًا بصريح النص من كل وجه أو من بعض الوجوه، وقد تكلمنا عنه، أو ما كان ثابتًا بضرب من الاجتهاد والرأي فأقول: إن كثيرًا من المسائل الاجتهادية مبنية على عرف زمان المجتهد بحيث لو كان في زمان العرف الحادث لقال المجتهد بخلاف ما قاله أولًا. ولهذا قال العلماء رحمهم الله تعالى من شروط الاجتهاد أنه لا بد للمجتهد من معرفة عادات الناس، فكثير من الأحكام تختلف باختلاف الزمان وذلك بسبب تغير عرف أهله أو لحدوث ضرورة أو فساد أهل الزمان، بحيث لو بقي الحكم على ما كان عليه أولًا، لأصاب الناس الحرج ولخالف قواعد الشريعة المبنية على التخفيف والتيسير ودفع الضرر والفساد لأجل بقاء العالم على أتم نظام وأحسن أحكام، من ذلك تحقق الإكراه من غير السلطان، على قول محمد بن الحسن الشيباني لما رأى فساد الزمان على خلاف ما ذهب إليه أبو حنيفة – رحمهم الله تعالى – ومن هذا القبيل أيضًا قول أبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى، بعدم الاكتفاء بظاهر العدالة في الشهادة مع مخالفة هذا القول لما نص عليه أبو حنيفة بناءً على ما كان في زمنه من غلبة العدالة.
وقد أثر العرف في كثير من العقود، مما سرده الفقهاء في كتبهم، ومن هنا يمكن لنا أن تخضع ما يستجد من العقود للعرف على أن لا يخالف العرف قاعدة من قواعد الشريعة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وشكرًا سيادة الرئيس.