أعود إلى مسألة العرف، فيه قضية في غاية الأهمية كنا ننتظر من الباحثين أن يتعرضوا لها وهي تطبيقات العرف في الوقت الحاضر، وفي الزمان والمكان، في الزمان الذي نعيش فيه، وفي هذه الكرة الأرضية التي أصبحت كقصعة بين يدي الآكل، تطبيقات العرف في قضايا اليوم لم يتحدث أحد عنها، هذه بحوث أصولية معروفة تقريبًا، وفيها رسائل كثيرة أخرى لم تذكر، في بلادي رسالة (حسام العدل والإنصاف في العمل بالأعراف) للشيخ محمد يحيى – رحمه الله تعالى – و (طرد الضواد والهمل عن الكروء في حياض العمل لسيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم) التوفيقات بين العرف وبين العمل لن يجري. ولكن التطبيقات العملية في الأوضاع الحالية، هل القبض مثلًا يكون بمكالمة تليفونية أو غير ذلك؟ كثير من المسائل التي تتعلق بالأوضاع التي نعيشها، هل النص الشرعي إذا كان مبنيًّا على عرف، هل إذا انتقل هذا العرف بأن كانت الماشية مثلًا تحفظ نهارًا ولا تحفظ ليلًا. والحرث بالعكس، هل يتغير معها؟ كثير من هذه المسائل لم نسمعها في كلام الباحثين، واحترامًا لوقتكم، شكرًا، والسلام عليكم.
الشيخ محمد سالم عبد الودود:
موقف المذهب المالكي من العرف.
المذهب المالكي لا يعد العرف دليلًا مستقلًا، ولا يعده أصلًا من أصول الفقه، وإنما هو وسيلة من وسائل الإثبات. فهو شاهد أو شاهدان، وهو إذا أردنا أن نعرف وظيفته بالاصطلاح المنطقي يقوم بدور صغرى الشكل الأول في قياس الاقتران، وإذا أردنا أن نعرف وظيفته تعريفًا أصوليًّا فهو يحقق مناط الحكم، وليس هو حكمًا ما، إنما هو يحقق مناط الحكم، ويعين مجال تطبيق الحكم، وعناية القرآن بالعرف كبيرة جدا، لأنني وأنا الآن أتهيأ للكلام أعددت آيات من سورة البقرة فيها كلمة معروف إحدى عشرة مرة، تبدأ من قوله تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} إلى قوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} ، فعددت إحدى عشرة مرة كلما يقول القرآن بالمعروف، ومعنى هذا أننا لا نهضم حق العرف اليوم ونقول إن العرف التركيز عليه دائمًا قد يهدمه، أو يهدم أسس الشريعة، أو يتنافى مع أصولها، هو في الحقيقة في المذهب المالكي الذي يركز الناس على أن المالكية يعتبرون العرف كثيرًا ما يعتبرونه وسيلة من وسائل الإثبات، ولكن العرف في حد ذاته هو مركز عليه في القرآن الكريم، في المعاملات، وأريد أن أوضح أن اعتبار المالكية لعمل أهل المدينة – أيضًا – هو أنهم يستدلون بها على السنة التقريرية، إذا كان العمل منقولًا نقلًا متواترًا من طرف أبناء الصحابة – رضي الله عنهم – عن آبائهم، معنى هذا أن هذه الحادثة كانت معروفة في العهد النبوي وأقر الرسول صلى الله عليه وسلم عليها الناس، ونقولها تطبيقًا عمليًّا من طرف عشرة آلاف من الصحابة توفوا في المدينة، كانوا مقيمين في المدينة وتوفوا بها، ونقلها عنهم أبناؤهم، وبعد الجيل الثالث لم يعد هناك مجال للاحتجاج بعمل أهل المدينة. هذا ما أردت أن أنبه إليه وشكرًا.