الذي وددت قوله أن أدلة الشرع المتفق عليها هي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. أما ما عداهما فالإجماع إجماع على مستند منهما، أو من واحد منهما. كل ما عدا ذلك فهي أمارات وعلامات يستعين بها القاضي أو المفتي باعتبارها مناهج بحث لفقه الواقع وفهمه، وحسن تطبيق النص على الواقعة، أو النازلة. فالقول بأن هذه الأمارات أدلة قول فيه كثير من التجوز، هذه نقطة النقطة الثانية: أن الأعراف تنشئها مفاهيم الناس، وثقافاتهم، ومناهج حياتهم، وفي عصرنا هذا أصبحت الأعراف تصنع صناعة، نعم تصنع الأعراف صناعة، فأجهزة الإعلام والتربية والتعليم وقوى أخرى مختلفة تستطيع أن تصنع الأعراف، وأن تغير الأعراف من اتجاه إلى اتجاه آخر، ومن هنا فينبغي أن نكون شديدي التنبه لهذه القضايا، فالعرف الذي تكلم أسلافنا من أصوليين وفقهاء، واحتجوا به، هو شيء، والعرف الذي يتحدث عنه اليوم شيء آخر، الأمر الآخر؛ الزعم – ومعذرة إذا قلت هذا – بأن العرف لا بد أن يكون وراءه دليل من نص، أو افتراض أن يكون وراءه دليل من نص، كتاب أو سنة مندثرة لم تصل إلينا أو نحو ذلك، السنة طريقها الرواية لا الافتراض. لا نستطيع أن نفترض افتراضًا بأن هناك سنة أو أن هناك نصًّا وراء شيء من الأشياء، فالسنة لا يمكن إثباتها إلا من طريق الرواية بشروطها المعروفة عند أهل العلم. الأعراف اليوم – كما قلت – ظواهر اجتماعية، تنشأ إنشاء، وتصنع صناعة، إثارة أقوال العلماء دون تحفظات، ودون أخذ هذه الظواهر بنظر الاعتبار، يعتبر تبريرًا لواقع صنعته ثقافات أخرى، ومفاهيم أخرى، ومحاولة تسويغ لأشياء ولأمور ولتقنيات وتشريعات لم يأتِ بها من الله سبحانه وتعالى سلطان. العرف يبقى مجرد أمارة يستعين بها القاضى المجتهد، أو المفتي المجتهد، لفهم النازلة، لفهم الواقعة لحسن تطبيق الحكم الشرعي على النازلة أو الواقعة. أما الواقعة. أما أن يقال إنه دليل، أو أنه شيء يمكن أن يستفاد منه حكم أي حكم، فذلك ما لم يأذن به الله سبحانه وتعالى. وشكرًا.
الدكتور محمد عمر الزبير:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأعراف تتغير بتغير الأزمان والأحوال، والأعراف متغيرة ومتطورة، فهل تتبدل الأحكام مع هذه الأعراف؟ في اعتقادي أن العرف مفسر للأحكام الشرعية، وليس حجة مستقلة بذاتها. وعمل أهل المدينة – الذي يتركز عليه المذهب المالكي – يرجع في الأصل إلى السنة التقريرية، فهو منقول بالتواتر بطبقات كبيرة نقلت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا فحجية العمل أو العرف السائد والمتقول نقلًا بالتواتر ترجع في أصلها إلى التقرير، ثم إن المذهب الحنفي حينما يرجح بين نصين داخلهما دليل قوي، ودليل خفي تظهر فيه المصلحة أو يظهر فيه العرف، فيعدلون في الترجيح معتمدين على العرض، إنما ذلك من باب الترجيح ومن باب التفسير، ثم إن الأحكام الشرعية مرتبطة بنصوصها، فلنأخذ – مثلًا – قضية اختلاف الموازين، واختلاف الكيل، وأثر ذلك على ربا الفضل، فإذا أصبح الذهب مكيلًا في وقت من الأوقات، أو أصبح البرموزونا، وكان مكيلًا، إذا عدلنا واعتبرنا العرف هو السائد في هذا الحكم، يظهر ربا الفضل الذي هو ممنوع حتى ولو كان حفنة صغيرة من البر، إذا تغيرت الأوزان فالأحكام مرتبطة في الأصل بالعرف السائد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل إن كثيرًا من المعاني التي وردت في القرآن تفسير بأعراف ذلك الزمان، لأن العرف اللغوي السائد في ذلك العصر هو الذي يعطي المدلول للأحكام الشرعية، فلذلك يعتبر العرف – في نظري والله أعلم – أنه مفسر وليس حجة مستقلة بذاتها. والله أعلم.