للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأمر الثاني: يعني القيام بتثبيت مكانة العرف والعادة بين مصادر التشريع الإسلامي هناك أدلة كثيرة لضرورة مراعاة العرف والعادة في التشريع الإسلامي – لا أريد الإسهاب في الكلام – هذه الأدلة موجودة، ومناقشتها موجودة في البحث. ولكن كما سبق أن أشرت إليه فإن كتب الأصول لا تذكر العرف بين الأدلة الشرعية، باستثناء ما ورد في كتاب القرافي، ويقول: أما العرف فمشترك. ولكن إذا دقق الباحث النظر يجد أن دور العرف هنا الذي يذكره القرافي ليس في معنى مصدر للتشريع، بل يعود في آخر المطاف إلى تفسير النصوص، وإلى تفسير التصرفات القانونية فحسب. إذا لا يمكن اعتبار عدم اهتمام الأصوليين بمفهوم العرف بالسلب أو الإيجاب أثناء دراستهم للأدلة الشرعية من قبيل الصدفة. إذا وضعنا نصب أعيننا أنهم جعلوا بعض المفاهيم الأخرى موضوع تحاليل دقيقة، ومناقشات واسعة، مثل القياس والاستحسان. أما بخصوص الكشف عن سر الثنائية الملحوظة في موضوع العرف في أدب الفقه الإسلامي، فلتحليل مفهوم المصدر أهمية كبيرة في نظرنا، لأنه كما هو معلوم فإن اصطلاح الدليل أشمل بكثير من اصطلاح المصدر الحقوقي. ولذا نجد أدلة كثيرة في الكتب الأصولية، وحتى بعض الكاتبين يجعلون عدد الأدلة إلى ثمانية عشر إلى عشرين، ستة وثلاثين، ذكرتها. إذا أمعنا النظر في هذه المفاهيم نجد أن بعضها مصدر في المعنى الحقيقي، مثل القرآن والسنة، وبعضها لا يمكن أن نسميها مصدرًا، مثلًا القياس، الاستحسان، هذه مناهج، وهناك مفاهيم أخرى سد الذرائع إلى آخرها، هذه مبادئ. والغزالي يمتاز بخاصية التمييز بين هذه المفاهيم، والقياس هو لا يذكره بين الأدلة الشرعية مع أنه يدافع عنه دفاعًا حارًّا، وهو أيضًا يفرق بين تفسير النصوص وبين عملية القياس، إذن العرف باعتبار ماهيته نعم مصدر، مصدر بما معناه إذا رجعنا إلى العرف نجد حلًّا جاهزًا لحل القضية، ولكن هذا باعتبار ماهيته، هل يمكن أن نعتبر العرف مصدرًا باعتبار حجيته وباعتبار احتلاله مكانًا بين مصادر التشريع الإسلامي؟ هذا لا يمكن. لأن هذا يؤدي بنا إلى نتائج محظورة من ناحية منهجية الحقوق إذا قلنا إن العرف هو مصدر يجب على المجتهد إذا لم يجد حلًّا جاهزًا في القرآن والسنة أن يرجع مباشرة إلى العرف دون أن يتطرق إلى طريق القياس، وهذا يخالف منهجية الفقه الإسلامي. أنا حاولت أن أشرح هذه الفكرة، والوقت ضيق، ولذا لا أريد إطالة الكلام من ناحية فلسفة القانون أيضًا، تطالعنا نظرية الحسن والقبح، مصدر الأحكام في الشريعة الإسلامية هو الله وحده كما نعرف، وإذن الإرادة البشرية لا يمكن اعتبارها مصدرًا للتشريع حسب البنية الفلسفية للحقوق الإسلامية، هذه النقطة أيضًا حاولت أن أشرحها. وهنا تأتي أمامنا مشكلة، وهي مشكلة قاعدة العرف يترك به القياس، عدد من العلماء الأجلاء ومنهم أستاذنا الفاضل الزرقاء مثلًا، يأخذ بهذه القاعدة على إطلاقها، وفي رأيي المتواضع يعطي فكرة ناقصة في هذه النقطة، المقصود في هذه القاعدة التي توجد خاصة في كتب الأحناف، المقصود من العرف يترك به القياس، القياس هنا مصطلح القياس لا في معنى القياس الأصولي أو القياس القانوني، بل القياس الحقوقي، أي القاعدة العامة أو المقتضى العام للدليل. وفي بعض الأحيان كلمة العرف هنا المقصود منها من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير نكير، هذه الصيغة تعكس الإجماع السكوتي عند الأحناف في بعض الأحيان، وهذا الإجماع السكوتي إذا أمعنا النظر في القضية نجد أنه راجع في آخر المطاف إلى السنة التقريرية. إذن لا يمكن أن نأخذ هذه القاعدة على إطلاقها، بل يمكن أن نقول: إذا تثبتنا من زوال علة القياس. نعم في هذه النقطة العرف يعكس أن المصلحة تدل على أن العلة انتفت، وبانتفاء العلة ينتفي القياس، في هذه الحالة طبعًا العرف يؤخذ به. والحقيقة أنا جهزت خاتمة قصيرة للبحث من سوء الحظ لم يصل إلى الأستاذ الفاضل. إذا تكرمتم تقرؤون، ولا أريد الإسهاب في الكلام. وشكرًا جزيلًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>