للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحقق لهم كل ما أرادوه، بل أكثر مما أرادوا بعد إلغاء الشريعة تعاملًا وقضاءً وأحكامًا.

تلك هي البداية التي أوصلتهم إلى أبعد من الهدف والغاية.

وما كان من سياسته ومؤامراته المحكمة أن يفرغ الأمة الإسلامية من شريعتها ومبادئها الروحية دون أن يملأ هذا الفراغ فأحل محلها معتقداته، وسلوكياته وقوانينه حتى لا تتنبه للمؤامرة، أو تحس بالشر المحدث بها.

أيها السادة:

إن اجترار الماضي، وتحميله مساوئ الحاضر بعد الزمن بالاستعمار من صفات العاجزين، وتكأة يعتمد عليها المتخاذلون، وما أكثر ما يتذرع بها المخادعون الغالطون.

وما سطر القلم ما سطره من استرجاع شريط الماضي إلا لنأخذ منه درسًا مفيدًا لحاضرنا فتشخيص الداء هو المرحلة الأولى في طريق الشفاء.

والدرس الذي نعيه من ذلك الفصل التاريخي هو الآتي:

أولًا: إقصاء العمل بالشريعة تعاملًا وقضاءً في المجتمعات الإسلامية هو البداية التي تهاوت بعدها عقده، وتحطمت قيمه.

ثانيًا: إيجاد فئة من المثقفين متحمسة لقيم المستعمرين وقوانينهم، تتحدث بمنطقهم، وتجادل بلسانهم.

ثالثًا: بث الشبه والشكوك بين المثقفين المسلمين لزعزعة إيمانهم بصلاحية الشريعة وقدرتهم على مواكبة الحضارة الحديثة.

والكثير الكثير من أمثال هذه الشبه والشكوك التي ترتدي مسوح العلم والفكر.

كل هذا أو غيره يدفع الأمة الإسلامية، وقد منَّ الله على معظم بلادها بالتخلص من الاستعمار فملكت زمام أمورها أن تخطط للعودة إلى رحاب الشريعة تخطيطًا محكمًا، وتسلك السبل الفاعلة لعودة كريمة، باحثة عن شخصيتها مسترجعة خصائصها.

وإذا كان معلوما أن إقصاء الشريعة عن التطبيق في المجتمعات الإسلامية هو بداية البداية في هزيمتها النفسية، وفقد هويتها، فمن الطبيعي بل من الضروري أن تكون عودتها إلى التطبيق هي القضية الأولى التي لا يمكن التنازل عنها، أو التهاون بها، بل إن عودتها إل التطبيق يعد الرمز الحقيقي لاستقلالها، ونبذ التبعية عنها.

إلا أن العودة إلى تطبيق الشريعة في بلاد حكمتها قوانين أجنبية عقودًا طويلة من السنين نشأ في ظلها أجيال وأجيال لن يكون سهلًا معبدًا، بل ستكون معارضات ومقاومات مخططًا لها تخطيطًا محكمًا كما خطط للبدايات، فمن ثم يتوجب العمل في سبيل إرجاعها إلى الساحة الاجتماعية تدبيرًا محكمًا بعيدًا عن الغوغائية والعشوائية.

<<  <  ج: ص:  >  >>