للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والبداية الصحيحة تقتضي العمل في ثلاثة اتجاهات:

الأول: إصلاح التعليم الديني في معاهده ومؤسساته والخروج به من أسر الطرق التلقينية، وحشد المعلومات التي تعتمد على الكم، والحفظ والترديد دون وعي.

ولا يتحقق الإصلاح في هذا المجال إلا بتحسن الدارسين للمعاني والحكم لتعاليم الشريعة، وتنمية ملكات الطلاب، وإثارة مواهبهم لإدراك مفاهيمها، والوقوف على جوانب العظمة فيها، وتناول الحقائق الشرعية مفصلة مبرهنة بعيدًا عن التعميمات الخطابية، والعبارات الانفعالية.

إن إيجاد الوعي الصحيح، واستقامة المفاهيم عن الشريعة بين صفوف الأمة الإسلامية، وبخاصة ناشئتها أمر ضروري للعودة المستنيرة، وسلامة التطبيق.

ثانيًا: ومع الاعتراف التام، والقناعة الكاملة بأن الفقه الإسلامي نظام قانوني عظيم، يتميز بأصوله الثابتة، ومرونته الكافية، وخصائصه الوافرة، وأخلاقياته الرفيعة، وبأن حظ الأمة الإسلامية في أجيالها المتأخرة من التراث الفقهي الرصين ثروة عظيمة، كمًّا ونوعًا، تتابعت على تطويره، وتنقيحه عقول كبيرة، وجهود مخلصة غير محدودة، برغم كل هذا فإنه يعترض الاستفادة منه الاستفادة الحقيقية صعوبات عديدة دفعت بالكثير من المتخصصين إلى الإفصاح عنها، وأنها بمقارنتها بالقانون من حيث الصعوبة ... أشد وعورة لما يلقاه الباحث، من صعوبات مردها الأول عدم صياغة أحكامها صياغة فنية كتلك التي نجدها في القانون ... إذ هي عبارة عن حلول لمسائل كثيرة معقدة، ومن هذه الحلول تستنبط القاعدة العامة. واستنباط القاعدة العامة أمر من الصعوبة بمكان لكثرة المسائل وتعقدها. وقد يختلف الحل فيها، لا لاختلاف الحكم، ولكن لاختلاف التقدير، وقد يخفى هذا فيضطرب الحكم في ذهن الباحث، فلا بد له ليتفادى ذلك من كثير من البحث والاستقصاء. هذا إلى تعدد الروايات واختلافها، وعدم مراعاة المؤلفين أحيانًا ذكرها جميعًا أو نسبتها إلى صاحبها مما يجعل الباحث في حيرة. يضاف إلى ذلك أن كثيرًا من عبارات الفقهاء غير محددة المعاني، فيمكن حلها على أكثر من معنى، وأن الحكم قد يرد بغير تعليل، أو بتعليل غير قريب.

أما الصعوبة الثانية، وهي تتصل بالأولى، فهي حال مؤلفات الفقه الإسلامي. فما زالت هذه المؤلفات، على ضخامتها وكثرتها، في حاجة إلى فهارس تهدي الباحث إلى موضع مسألته ولا يخامره شك في أنها لم تبحث في مواضيع أخرى، حتى لا يضطر، إذا كان مدققًا، إلى قراءة المؤلف كله، وقد يتكون من عدة مجلدات، بحثًا وراء مسألته. هذا فوق أن ما طبع منها قليل، وأن الكثرة منها لم تطبع بعد. وما طبع لم يحفظ بالعناية الواجبة في التحقيق وفي الطبع. يضاف إلى ذلك تشتت المؤلفات مطبوعها ومخطوطها، في المكتبات العامة المختلفة وصعوبة الحصول على المطبوع منها، وصعوبة المكث في المكتبات للاطلاع على المخطوطات لظروف الباحث ولظروف المكتبات نفسها (١) ، ويستخلص مما تقدم النتيجة التالية: "لهذا السبب وذاك قل عدد الباحثين في الفقه الإسلامي وضؤل إنتاجهم ..." (٢) .


(١) عبد البر، محمد زكي، نظرية تحمل التبعة في الفقه الإسلامي، الطبعة الأولى، مصر: مطبعة الفجالة الجديدة، ١٣٦٩هـ/ ١٩٥٠م، ص١-٢
(٢) عبد البر، محمد زكي، نظرية تحمل التبعة في الفقه الإسلامي، الطبعة الأولى، مصر: مطبعة الفجالة الجديدة، ١٣٦٩هـ/ ١٩٥٠م، ص١-٢

<<  <  ج: ص:  >  >>