للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بداية التحول:

وعندما بدأت تتداعى أحوال الرجل المريض ودب الوهن في جسم الخلافة العثمانية واستشعر الباب العالي بتأثير سفراء الدول الأوروبية وقناصلها، إما الرغبة في تسهيل التعامل مع أوروبا والقضاء على المشاكل المتنازع فيها بين رعايا دولته والأجانب من الأوروبيين، وإما الحاجة إلى اقتباس قوانين الدول الغربية في المعاملات التجارية والمضاربات المالية التي تقيد حريته فيها الشريعة الإسلامية بسبب الشروط القاسية التي تفرضه الصحة العقود وحصرها أصدرت الخلافة فيما بين ١٨٢٦م – ١٨٣٩م قوانين عديدة عرفت بالتنظيمات شملت نظام البحرية وقانون العقوبات، وتبنت في ١٨٥٠م القانون الفرنسي أقامت على أساسه محكمة تجارية خاصة للفصل في النزاعات القائمة بين رعاياها والأوروبين، وأحدثت محاكم مدنية ١٨٧١م غير المحاكم الشرعية ووسعت في نظرها ١٨٨٠م. وكونت لجانًا عدلية:

الأولى: تتمثل في مجلس الدولة الاستشاري الذي يتولى إعداد النظم والقوانين ومراقبة تنفيذها.

والثانية: اللجنة القانونية التي تحدد القضايا التي يفصل فيها القضاء الأوروبي.

والثالثة: اللجنة الموكل إليها وضع مجلة الأحكام العدلية قصد تقنين الشريعة وذلك من أجل تحقيق صورة من التوازن الظاهري.

وقد هزت هذه التنظيمات البلاد الإسلامية وعصفت ريحها في أطراف بلاد الخلافة، وقام الصراع بين الشريعة والقانون وتنازعت المحاكم الشرعية والمحاكم الجديدة والهيئات التشريعية السلطة وعمَّت البلبلة. وقضي بالإخارة للتنظيمات على الشريعة إلا في الأحوال الشخصية وبعض قضايا الاستحقاق. ولا غرابة في ذلك، فإن القوي مطاع والكلمة الأخيرة لأصحاب النفوذ الدولي والقوى الصناعية ومؤسسات التجارة الدولية بين الأوروبين. فهم الذين رجحوا الكفة لمصالحهم ففرضوا مبادئهم وشروطهم وطرق تعاملهم على هذه السلطنة المنهارة والدولة المستلبة النفوذ والهيبة. وما كانوا ليتوصلوا إلى ذلك لو بقي العمل بالشريعة أساسًا للتقاضي وإقامة العدل بين الناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>