للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ثم كان للحكم الإسلامي القائم في أصوله على الاستقامة ومراقبة الذات والمحاسبة وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ما يحقق الأهداف منه وييسر على المجتمع الإسلامي نيل حقوقه وبلوغ عزته في ظل الإسلام وتعاليمه ونهجه ونظامه.

وللشريعة اعتبار مهم في حياة المسلمين لا يثني عنها انحراف المنحرفين ولا جحود الجاهلين وهي دستورهم الذي يحكم الأمة جميعها فيحمي مصالحها ويضع قواعد المعاملة بين أفرادها وهي النظام الإلهي الذي اختاره الله لها وتمت به النعمة عليها وهي وحي منزل من خالق العباد البصير بعباده لإقامة العدل بينهم لا يرقى إليها ما تواضع الناس عليه من الأحكام لثباتها ودوامها وسموها وكمالها ودرئها ما يغلب على أحكام الناس من نزعات وميول وشهوات وأهواء. وهي لكونها من الدين ولبابه قد فرض الشارع الاحتكام إليها. ومن خرج من هذا الحد يكون ظالمًا وفاسقًا وكافرًا بتصريح القرآن لكونها إنما جاءت لتخرج المكلفين عن دواعي أهوائهم حتى يكونوا عبادًا لله. وهذا المعنى إذا ثبت لا يجتمع مع فرض أن يكون وضع الشريعة على وقف أهواء النفوس وطلب منافعها العاجلة كيف كانت. وقد قال ربنا سبحانه: {ولَوِ اتَّبَعَ الحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ والأَرْضُ ومَن فِيهِنَّ} (١) .

وهي بحكم أصولها العامة وقواعدها الكلية قد هيأت للعلماء المحققين والفقهاء المبرزين الاجتهاد فيما لا نص فيه بحمل المسائل المستجدة والقضايا المحدثة على نظائرها على وفق ما يقتضيه روح التشريع وسماحة الدين ومقاصد الشريعة وأسرارها، تشهد لذلك هذه الحركة العجيبة، التي نلمسها في كل بلد إسلامي بمجالس الفتوى والمجالس العليا الإسلامية ومعاهد البحوث ومجامع الفقه، وإنها لحركة جد مباركة لأنها لا تخدم المسلمين وحدهم، بل تنير الطريق للفقهاء ولرجال القانون في العالم، وقد اعترف بفضلها المنصفون من قضاة الغرب وعلماء القانون مثل كوهلر الذي لم يتردد أن صدع بقوله: إن الشريعة الإسلامية لتحتوي على أحكام لم يصل إليها القانونيون الغربيون إلا بعد عشرة قرون (٢) .

واللقاءات الدراسية التي عقدت بلاهاي في السنوات ١٩٣٢م، ١٩٣٧م، ١٩٤٨م، وبباريس في أسبوع الفقه ١٩٥١م توصيات من أهمها: أن مبادئ الفقه الإسلامي لها قيمة حقوقية تشريعية لا يمارى فيها، وإن اختلاف المذاهب الفقهية لينطوي على ثروة من المفاهيم والأصول الحقيقية هي مناط الإعجاب. وبها يتمكن الفقه الإسلامي من أن يستجيب لجميع مطالب الحياة والتوفيق بين حاجاتها، وإن التشريع الإسلامي يعد في طليعة المصادر الصالحة لسد حاجات التشريع الحديث (٣) .


(١) سورة المؤمنون: الآية ٧١.
(٢) مجلة القضاء العراقية مارس ١٩٢٦؛ مجلة البعث الإسلامي م١٨ عدد١٠ يونيو ١٩٧٤م.
(٣) أسبوع الفقه بباريس ١٩٥١م؛ الزرقا. المدخل الفقهي: ١، ٩٤، ٢٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>