للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكيف يكون ذلك والشريعة – كما قال الحافظ ابن القيم رحمه الله:

(مبناها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد عدل كلها رحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها، وكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة) .

لقد كانت هذه الشريعة أساس الحكم والقضاء والفتيا في العالم الإِسلامي كله أكثر من ثلاثة عشر قرنًا انضوى تحت لوائها أعراق شتى وامتزجت بها بيئات متعددة فما ضاقت ذرعًا بجديد ولا قعدت عن الوفاء بمطلوب.

ولماذا نرجع إلى الماضي وبين يدينا ولله الحمد والمنة حجة قائمة وبرهان ظاهر، فهذه بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية قائمة على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم محكمة شرع الله قادتها وحكومتها وأهلها ومجتمعها يعيشون في ظلال الشريعة ونور الكتاب والسنة في أمن وطمأنينة وخير ونعمة ملء القلوب الرضى وما يرجى من الله خير وأبقى أدام الله علينا نعمه وزادنا إيمانًا وتوفيقًا ورضى وتسليمًا.

أيها الإخوة في الله:

إن من مقتضيات الإِيمان الإِقرار بحق التشريع لله وحده فالحكم لله وحده: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} ، والتولي والإِعراض عن تحكيم شرع الله من مسالك المنافقين والظالمين: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (٤٩) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ (٥٠) } . {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} الآية.

أمة الإِسلام:

على الرغم من هذا الوضوح والجلاء إلاَّ أن أعداء الإِسلام أبوا إلاَّ وضع العراقيل وتلفيق التهم واختلاق الشبه حول الشريعة وشمولها وصلاحيتها، بل لقد استطاع الغزو الفكري أن يجعل من بعض المسلمين حتى المثقفين يستحيون أو يشمئزون من ذكر بعض شرائع الإِسلام كالحدود والقصاص والحجاب وكأنهم لا يرون مانعًا أن تكون ديار الإِسلام ميدانًا فسيحًا تنمو فيه الدنايا وسفاسف الأخلاق وموطنًا رحبًا يجد فيه المرجون والمتوحشون فرصًا للاعتداء والاغتيال – بل إنك ترى في بعض من يخوض فيها ويلوك أناسًا لا يعرفون الطريق إلى المساجد ولا يتورعون عن الموبقات والمزالق فتراهم يسرون أو يعلنون أن تحريم الخمر والزنا وقطع دابر اللصوصية والمفسدين تشدد وهمجية. أما سمعوا قول الله في المنافقين: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} ، وقوله سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} .

أيها الأخوة في الله:

ليس الإِيمان بالتحلي ولا بالتمني وليس الإِسلام مجرد الانتساب الاسمي ولكنه ما استيقن والقلب وصدقه العمل.

ومن هنا فحين يصدق المسلمون ويخلصون لدينهم فيجعلون كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أساس الحكم وتبنى عليهما مناهج التربية والتوجيه حينئذٍ يتحقق الوعد ويتأكد التمكين وينزل النصر.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (٤٩) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٥٠) } .

نفعني الله وإياكم بهدى كتابه وسنَّة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

الدكتور صالح بن حميد.

<<  <  ج: ص:  >  >>