وإننا اليوم أصبحنا في عصر تغيرت فيه أوضاع الناتس وأعرافهم، وتبدلت كثير من معالم التعامل بينهم، بحيث صار من الحرج الشديد اشتراط قيام المسكن لصحة بيعه وشرائه، بل ربما ألغي هذا الاعتبار بالكلية فلم يعد معمولا به، بل إن العكس هو المعمول به المعتبر بل وأصبح هو القاعدة وما عداه هو الاستثناء وفي ظل هذه الأعراف الجديدة والتحولات الجذرية التي غيرت وبدلت من أوضاع المعاملات المالية مما تعدى إلى المساكن بيعا وشراء من جريان التعامل اليوم على أساس البيع على الخارطة سواء كانت الجهة الممولة الدولة أو الجمعيات السكنية أو الأفراد، وجب النظر إلى هذه العقود نظرا جديدا بحيث نعدها (استصناعا) ونشترط لها ما نشترطه للاستصناع، ونلحق به أحكام الاستصناع آنفة الذكر في طالعة البحث، وهذا الذي يطمئن إليه القلب، وترتاح إليه النفس، وعلى هذا فالسعر مقطوع لا يخضع للتكلفة.
وقبل الرؤية والتخصيص كل مع البائع والمشتري غير ملزَم، فإذا تخصص المشتري بسكنه ورآه صار ملزَمًا إذا وافق عليه وجاء مطابقا للشروط والمواصفات المطلوبة وإلا – بأن كان مخالفا لما اشترطوه من شروط ومواصفات – فالمشتري غير ملزم وله حق خيار الوصف أو الرؤية.
وإذا لم نفعل ذلك نكون قد ضيعنا الناس ووضعناهم في متاهة الجهل ومتاهة الحرج، وإذا ضاق الأمر اتسع، وما جعل عليكم في الدين من حرج.
وتأسيساً على ما ذكرت، فالخلاف جارٍ في بيع العقار قبل القبض على ما نوهت به في طالعة البحث، والرأي لدي الراجح اليوم هو عدم جواز ذلك وهو ما أرجحه وهو قول الجمهور والإمام محمد من الحنفية لأن هذا يفتح علينا بابا من الفساد والذرائع الفاسدة يجب سده، حتى إذا حصل البيع وانتهى الأمر أخذنا بقول الإمامين أبي حنيفة وأبي يوسف من الحنفية بجواز ذلك تصحيحا للعقد من الإبطال ورحمة بالناس، ولا سيما المبتلين (١)(١) وهو استحسان مقبول.
(ب) وأما ملابسات هذا التمويل وما يصحبه أو يخالطه من الربا أو من شبهة الربا فمسألة أخرى هنا مجال بحثها ومن المعلوم أن العقد لا يكون محرما شرعا إذا خالطه محرم يمكن التنزه عنه، فكل العقود يمكن أن يخالطها الربا أو شبهته كالبيع والإجارة والمزارعة والمساقاة والوكالة وغير ذلك، فهل تصبح محرمة منهيًّا عنها لهذا الافتراض وحده؟ ! اللهم لا ...
(١) انظر كتابنا " نظرية الاستحسان في التشريع الإسلامي وصلتها بالمصالح المرسلة "، طبعة دار دمشق، بدمشق.