أنه لا يمكن توحيد العالم الإسلامي في أعياده وصومه وفطره مطمئنين إلا إذا أخذنا بالحساب إلا أن الحساب الذي قال به مطرف بن الشخير وابن سريح وبعض البغداديين وابن قتيبة والسسبكي في هذا الاتجاه رفضه الفقهاء بقوة وعنف ورأوا فيه مصادمة لنص ((صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته)) هذا النص الذي عمل القرافي على جعله قاعدة يختلف بها أمر الصوم عن الصلاة وسكوت ابن الشاط قوى ثقة من جاء بعده على صحة قاعدة القرافي مع أن من المذاهب الرافضة للحساب من ألغى العمل بنص الحديث كأحمد ليلة الغيم ومع أن قصر الرؤية البصرية لم يستطع القرافي أن يؤكده ومع أن مفهوم الرؤية البصرية وحدودها لم يكشف عنه.
كما رأوا فيه مصادمة لقوله صلى الله عليه وسلم ((نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا وخنس إبهامه في الثالثة وأرسل بعد ذلك في الثالثة)) .
نعم {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} وأن التعبير بالأميين على صحابته صلى الله عليه وسلم هو تعبير عن غالب أحوال أشخاصهم من الأمية فهل تبقى الأمية ملصقة بالمسلمين إلى يوم يبعثون؟ الواقع يشهد أن هذه الأمة خرجت من الجهل إلى العلم بفضل توجيه هذا الدين وأن الإسلام دخلت فيه أمم ليست أمية.
فالرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه هذا إنما هو يكشف عن وضع خاص، هو وضع الأمة الإسلامية وقت البعثة وأن هذا الوصف قد ارتفع قطعًا بعد ذلك يوم أصبح العالم الإسلامي قائد الحضارة البشرية.
كما اعترضوا بأن الأخذ بالحساب لا يتمكن منه كل الناس وهذا أمر لا تختلف فيه الرؤية عن الحساب فكما أن الهلال في أول ليلة هو دقيق لا يتمكن من رؤيته إلا من كان حاد البصر بموقعه لا يتيه بصره في السماء فكذلك الحساب لا يقوم به إلا العالم ولا فرق بين النقص الخلقي والعلمي وقد رأينا أن معظم فقهاء الإسلام يرون في شهادة عدلين برؤية الهلال ما يكفي لثبوت دخول الشهر وشمول هذا الحكم لما لم يبعد جدًا على معنى أن الذين يلزمون بالصوم هم عشرات الملايين من المؤمنات والمؤمنين وأن طريقة الثبوت لم تبلغ إلا من عدد محدود فأي فرق بين هذا وذاك.