على أن الحكم من الصوم والفطر والوقوف بعرفة وما يتقدمه وما يتبعه والنذر وغير ذلك لم يتعلق أي واحد منها بالرؤية وإنما ارتبط الحكم بظرفه الزماني الذي لابد من وجوده لتحقق الامتثال من المكلف للطلب المتعلق بذمته. وهو دخول الشهر. الذي أمارته الحقيقية وضع الهلال في الأفق وضعًا يمكن أن يشاهد وهذا الوضع لم يكن من سبيل من التيقن منه عند البعثة وفي البيئة العربية التي نزل فيها القرآن لم يكن من سبيل إلى ذلك إلى الرؤية وما سوى الرؤية من ذلكم العهد وما تلاه من العهود إلى النصف الأول من القرن العشرين لم يكن بالغًا من الدقة مبلغًا يطمأن إليه أما بعد أن استطاع العقل البشري أن يتخلص بمعداته من جاذبية الأرض وأن يتجاوزها إلى مسابح الكواكب وأعيانها وبما تقوم به الحاسبات الإلكترونية فإن مكان القمر في كل لحظته من بين المجموعة الشمسية أصبح يقينًا إلى درجة قدرت بجزء من ثلاثين ألفًا من الثانية.
إن وسيلة معرفة دخول الشهر هي كوسيلة بلوغ البيت الحرام لأداء فريضة الحج يقول الله تعالى {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} فوسيلة بلوغ البيت الحرام حسب النص القرآني هي أحد أمرين أما المشى على الأقدام أو الركوب على الدواب المهيأة للبلاغ فهل يقبل من أي فقيه أن يقول أن القرآن حصر الأمر في هذين والحاج بالطائرة أو الباخرة أو الصاروخ يكون حجه لاغيًا لأن الله حدد الوسيلة {رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} ولو أراد مطلق الوصول لقال وأذن في الناس بالحج يأتوك من كل فج عميق.