ثانيًا: قوله صلى الله عليه وسلم ((فإن غم عليكم فاقدروا له)) .
يقول الزرقاني في شرحه على الموطأ:"وقد أورثت هذه الزيادة المؤكدة عند المخالف شبهة بحسب تفسيره لقوله ((فاقدروا له)) فقال الإئمة الثلاثة والجمهور: قدروا له تمام العدد ثلاثين يومًا. يقول: قدرت الشئ وأقدرته وقدرته بمعنى التقدير، أي انظروا في أول الشهر واحسبوا ثلاثين يومًا كما جاء مفسرًا في الحديث اللاحق ولذا أتى به الإمام للإشارة إلى أنه مفسر. ولذا لم يجتمعا في رواية بل تارة يذكر هذا وتارة يذكر هذا يعني روايته عن عبد الله بن عباس ((فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)) " ج٢ ص٨٦.
فالحديث الثاني هو مفسر للحديث الأول لا تعارض بينهما. وذهب الطحاوي إلى أن الحديث الثاني ناسخ للحديث الأول أي أن بينهما خلافًا وأن العمل بالثاني وأن الأول قد بطل العمل به. قال الطحاوى:"معنى التقدير أن ينظر إذا غم الهلال ليلة الشك إلى سقوط القمر في الليلة الثانية فإن سقط لمنزلة واحدة وهي ستة أسباع الساعة علم أنه من تلك الليلة وإن غاب لمنزلتين علم أنه من الليلة الماضية فقضوا اليوم. فمعنى التقدير هو الانتظار اضبط سقوط الهلال في الليلة القادمة."
وقال ابن رشد في المقدمات:"إنه ينظر إلى هذا الذي غم الهلال عند آخره من الشهور فإن كان توالى منها شهران أو ثلاثة كاملة عمل على أن هذا الشهر ناقص فأصبح الناس صيامًا، وإن كانت توالت ناقصة عمل على أن هذا الشهر كامل فأصبح الناس مفطرين إذ لا تتوالى أربعة أشهر كاملة ولا ناقصة على ما علم مما أجرى به الله العادة ولا ثلاثة أيضا ناقصة ولا كاملة إلا في النادر. وإن لم يتوال قبل هذا الشهر الذي غم الهلال في آخره شهرًا، فأكثر كاملة ولا ناقصة احتمل أن يكون هذا الشهر ناقصًا وكاملًا احتمالًا واحدًا يوجب أن يكمل ثلاثين يومًا كما في الحديث الآخر فيكون على هذا الحديثان جميعًا مستعملين كل واحد منهما في موضع غير موضع صاحبه وهذا في الصوم وأما في الفطر إذا غم هلال شوال فلا يفطر بالتقدير الذي يغلب فيه على الظن أن رمضان ناقص" آهـ. مواهب الجليل ج٢ ص٣٨٩.