إخواني، سير المناقشات يسير باتجاه معين وهو ما يسمى بإيجاد الحلول للمشكلات التي يعاني منها المسلمون وتطرح الآراء، وفي هذا الاتجاه مخاطر حقيقية كبيرة، إذ إن الأخوة ينظرون إلى إيجاد الحلول في بعض الأحيان مما قال به بعض الفقهاء أو مما قال به بعض العلماء، ويستندون إليه ويستدلون بأدلتهم.
أعتقد أننا يتعين علينا في هذا المجمع الموقر أن نسير على المبادئ الأساسية، المبدأ الأساسي وهو أن هذا المجمع مؤسسة كبيرة وخوفي من أن تصدر بعض القضايا من المجمع مما يخاف أن يستدل به أو بما يستفاد منه مستقبلًا على حلية بعض القضايا ولا سيما في هذه القضايا الربوية التي يتطلع إليها أصحاب الأموال وكثير من المنتفعين بمثل هذه الأمور.
طرح قبل قليل القول بجواز الاستقراض بالفائدة عند الاضطرار مما نسب إلى الحنفية في بناء المساكن مثلًا، وهذا شيء كما تعلمون مما انفرد به الأحناف وليس لهم فيه سلف، ودليلهم الذي استدلوا به ليس بالقوي، ونحن نقول إذا كان هذا الضعيف المسكين الذي يستقرض لسبب مرضه أو بسبب عجزه كيف سيسد هذه الأموال؟ كيف سيقوم بسداد هذه الأموال التي يستقرضها إن كان ذلك صحيحًا؟ فريما بقاؤه على هذا الحال أفضل له من أن يستقرض ولا يستطيع السداد بعد ذلك.
هذه الفتوى أذكرها لأنه قد استغلت من قِبَل بعض الناس – عندنا كما أذكر في العراق في الخمسينات – حيث أفتى بعض ذوي المذاهب الفاسدة بجوازها عمومًا ومطلقًا وليس على المضطر، وحصلت فيها مشاكل كثيرة، حتى إن كثيرًا من المسلمين بدأوا يأخذون بهذه الفتوى ويستقرضون من البنوك الربوية لبناء مساكنهم وهم ليسوا بحاجة لهذا الأمر.
فرجائي أن يبتعد المجمع ابتعادًا كاملًا عن أي مجال يمكن أن ينفذ إليه لتحليل أي نوع من أنواع الربا، حتى ولو حددت هذه النسبة بنصف بالمائة أو بواحد بالمائة كما تفضل الشيخ السلامي، فهذا لا يجوز لأن هذا شيء قد حدد، مجرد التحديد هو ربا، فرجائي أن نبتعد عن ذلك ابتعادًا كاملًا وأن يبتعد المجمع عن كل ما فيه شبهة.
أقول إن الأخذ بالأحوط هو الأفضل ليس بالنسبة للفرد كفرد، ولكن بالنسبة لهذا المجمع، الأخذ بالأحوط هو الأفضل لأن هذا المجمع مسئول ليس أمام شخص أو شخصين بل هو مسئول أمام الأمة الإسلامية، فينبغي أن لا يصدر هذه الفتاوى إلا بعد دراسة وتمحيص، وصحيح أن هناك بعض الحلول التي ربما يجد الإنسان لنفسه العذر في ارتكابها أو في الأخذ بها لنفسه أو لبعض الحالات الخاصة ولكن لا ينبغي أن يصدر ذلك عن مجمع فقهي يمثل جميع الدول الإسلامية، نحن نقصد من ذلك أننا نريد حلولًا ناجعة نابعة من الفهم السوي للكتاب والسنة وأن نبتعد جهد المستطاع حقيقة عن تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتهويل الجاهلين. بكل صراحة نقول إن هذا المجمع ينبغي أن يكون حازمًا، لأن المرحلة التي نمر بها اليوم هي مرحلة عصيبة، هي مرحلة العالم كله يتغير فيها، ومما يتغير في هذا العالم تتغير المجتمعات العربية والمجتمعات الإسلامية، فواجب المسلمين الأخذ بالأحوط وإيجاد الحلول الإسلامية لكل مسألة من المسائل. نعم نحن مسئولون أمام الله أولًا ثم أمام المسئولين في دولنا بأن نقدم لهم ما هو متفق مع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس ما هو متفق مع رأي فقيه من الفقهاء.