للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولًا: هل يجوز البيع بالنسيئة؟

انعقد الإجماع على صحة تأجيل الثمن إلى أجل معلوم، روى البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهودي طعامًا بنسيئة ورهنه درعه. وفي رواية أخرى: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى طعامًا من يهودي إلى أجل فرهنه درعه)) .

ذكر ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري بشرح صحيح البخاري: " قوله: باب شراء النبي صلى الله عليه وسلم بالنسيئة أي بالأجل – قال ابن بطال: الشراء بالنسيئة جائز بالإجماع. قلت: لعل المصنف تخيل أن أحد يتخيل أنه صلى الله عليه وسلم لا يشتري بالنسيئة لأنها دين فأراد دفع ذلك التخيل " (١) .

وجاء في المغني والشرح الكبير في معرض الكلام عن بيع العينة والبيع نسيئة: وقد روى أبو داود بإسناده عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)) وهذا وعيد يدل على التحريم، وقد روي عن أحمد أنه قال: (العينة أن يكون عند الرجل المتاع فلا يبيعه إلا نسيئة فإن باع بنقد ونسيئة فلا بأس) . وقال: (أكره للرجل أن لا يكون له تجارة غير العينة لا يبيع بنقد) . قال ابن عقيل: " إنما كره النسيئة لمضارعته الربا فإن البائع بنسيئة يقصد الزيادة بالأجل غالبًا، ويجوز أن تكون العينة اسمًا لهذه المسألة وللبيع نسيئة جميعًا لكن البيع بنسيئة مباح اتفاقًا ولا يكره إلا أن لا يكون له تجارة غيره " (٢)

وجاء في حاشية رد المحتار لابن عابدين: " اختلف المشايخ في تفسير العينة التي ورد النص عنها. قال بعضهم: تفسيرها أن يأتي الرجل المحتاج إلى آخر ويستقرضه عشرة دراهم ولا يرغب المقرض في الإقراض طمعًا في فضل لا يناله بالقرض فيقول لا أقرضنّك ولكن إن شئت أبيعك هذا الثوب إن شئت باثنى عشر درهمًا وقيمته في السوق عشرة ليبيعه في السوق بعشرة فيرضى به المستقرض فيبيعه كذلك، فيحصل لرب الثوب درهمان وللمشتري قرض عشرة. وقال بعضهم: هي أن يدخل بينهما ثالثًا فيبيع المقرض ثوبه من المستقرض باثنى عشر درهمًا ويسلمه إليه ثم يبيعه المستقرض الثالث بعشرة ويسلمه إليه ثم يبيعه الثالث من صاحبه وهو المقرض بعشرة ويسلمه إليه ويأخذ منه العشرة ويدفعها المستقرض فيحصل للمستقرض عشرة ولصاحب الثوب عليه أثنا عشر درهمًا كذا في المحيط " (٣)


(١) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني. مكتبة الكليات الأزهرية ٩/١٤٩
(٢) ابن قدامة: الشرح الكبير: ٤/٤٥-٤٦
(٣) حاشية ابن عابدين: ٥/٢٧٣، الطبعة الثانية، دار الفكر، ١٩٧٩م

<<  <  ج: ص:  >  >>