للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي البيع بالنسيئة لا بد لصحة البيع من تحديد الثمن، وتحديد الأجل الذي يدفع فيه لعموم قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} . [سورة البقرة: الآية ٢٨٢] .

وحقيقة الدين عبارة عن كامل معاملة كان أحد العوضين فيها نقدًا والأخر في الذمة نسيئة، فإن العين عند العرب ما كان حاضرًا، والدين ما كان غائبًا، قال الشاعر:

وعدتنا بدرهمينا طلاءً

وشواءً معجلًا غير دين

وقال آخر:

لترم بي المنايا حيث شاءت

إذا لم ترم بي في الحفرتين

إذا لم أوقدوا حطبًا ونارًا

فذاك الموت نقدًا غير دين

وقد بين الله تعالى هذا المعنى بقوله الحق: {أَجَلٍ مُسَمًّى} (١)

فالدين إلى أحل غير مسمى يقود إلى المنازعة، ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على مثل معنى كتاب الله تعالى. ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يستلفون في الثمار السنتين والثلاث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((مَن أَسْلَفَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ)) ، رواه ابن عباس. أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما.

والحكمة في ذلك أن جهالة الأجل تفضي إلى المنازعة في التسلم والتسليم فهذا يطالبه في قريب المدة وذاك في بعيدها وكل ما يفضي إلى المنازعة فيجب إغلاق بابه. ولأنه سيؤدي إلى عدم الوفاء بالعقود التي أمرنا بالوفاء بها حيث قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [سورة المائدة: الآية ١] .

وإذا لم يحدد أجلًا فسد البيع عند بعضهم وصح عند البعض إن كانت الجهالة يسيرة، وجاء في حاشية ابن عابدين (ولو باع مؤجلًا أي بلا بيان مدة بأن قال بعتك بدرهم مؤجل صرف قوله لشهر لأنه المعهود في الشرع في السلم واليمين. . . ويبطل الأجل بموت المديون) (٢)

وإذن لابد لصحة بيع التقسيط من تحديد مدة الأقساط تحديدًا وافيًا.


(١) انظر تفسير القرطبي: ٣/٣٧٧.
(٢) حاشية ابن عابدين ٤/٥٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>