والدليل على اعتبار المطالع ما روي عن كُريب أن أم الفضل بعثته إلى معاوية بالشام فقال:"قدمت الشام وقضيت حاجتها واستهل علىّ شهر رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيت الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية. فقال لكنا رآيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه فقلت: أولا تكتفى برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم." قال في المنتقى رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجة. آهـ
٣- وقالت الحنابلة: لا عبرة باختلاف المطالع.
٤- وقالت الشافعية: كما في النهاية وغيرها: وإذا رؤى ببلد لزم حكمه البلد القريب دون البعيد في الأصح، والبعيد مسافة القصر، وقيل باختلاف المطالع قلت: هذا أصح، والقول الثاني أنه يلزم البعيد أيضا واستدلوا على القول الأصح من اعتبار اختلافهما بمثل ما تقدم عن الزيلعي، وقالوا: لا ينظر إلى أن اعتبار المطالع يحوج إلى حساب وتحكيم المنجمين مع عدم اعتبار قولهم لأنه لا يلزم من عدم اعتبار قولهم في الأصول والأمور العامة عدم اعتباره في الفروع والأمور الخاصة.
وقال القرافي في فروقه:"إن الحق اعتبار اختلاف المطالع وشنع على من قال بعدم اعتباره." وأنت إذا رجعت إلى الواقع ونفس الأمر تجد أن اختلاف المطالع معلوم بالضرورة واختلاف الأوقات باختلافها مشاهد معاين فإن سكان البلاد التي يستمر فيها ظهور الشمس شهرين أو ثلاثة يشاهدون ذلك وكذلك كل من ذهب إلى بلادهم يشاهد ذلك وكذلك صار من المعلوم بالضرورة أن الشمس تظهر ستة أشهر وتختفي ستة أشهر لدى سكان جهة القطب فهل يمكن إذا رأى أهل مصر هلال رمضان وقت الغروب عندهم أن نلكف هؤلاء بالصوم برؤية أهل مصر كما أنه صار من الضرورى التخالف في الأوقات بيننا وبين أهل أمريكا فهل يمكن أن نكلفهم بالصوم برؤية أهل مصر للهلال بعد الغروب مع أن هذا الوقت عندهم ربما كان وقت طلوع الفجر أو وقت شروق الشمس وبالجملة فالقول بعدم اعتبار اختلاف المطالع مخالف للمعقول والمنقول.
أما مخالفته للمعقول فلما علمته من مخالفته لما هو ثابت بالضرورة من اختلاف الأوقات وأن النهار عند قوم قد يكون ليلًا عند آخرين.