للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويؤخذ مما سبق أن المنع ليس زيادة الثمن في بيع التقسيط، وإنما في جهالة الثمن إذا لم يقع البيع باتا على النقد أو النسيئة، أما إذا اتفق البيعان على بيعة واحدة من البيعتين في مجلس العقد صح البيع.

ومما يؤيد ما سبق ما رواه عبد الرزاق في مصنفه (٨/١٣٦) تحت باب البيع بالثمن إلى أجلين:

فروى عن الزهري، وطاوس وابن المسيب، أنهم قالوا: لا بأس بأن يقول: أبيعك هذا الثوب بعشرة إلى شهر، أو بعشرين إلى شهرين، فباعه على أحدهما قبل أن يفارقه، فلا بأس به. وروى مثله عن قتادة.

وروى عن الثوري قال: إذا قلت: أبيعك بالنقد إلى كذا، وبالنسيئة بكذا وكذا، فذهب به المشتري، فهو بالخيار في البيعين ما لم يكن وقع بيع على أحدهما. فإن وقع البيع هكذا فهذا مكروه وهو بيعتان في بيعة وهو مردود وهو الذي ينهى عنه فإن وجدت متاعك بعينه أخذته، وإن كان قد استهلك فلك أوكس الثمنين، وأبعد الأجلين.

وفي كتاب البيوع والأقضية من مصنف ابن أبي شيبة (٦/١١٩) جعل بابًا عنوانه: الرجل يشتري من الرجل المبيع فيقول: إن كان نسيئة فبكذا، وإن كان نقدًا فبكذا.

ومما رواه في هذا الباب:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لا بأس أن يقول للسلعة: هي بنقد بكذا وبنسيئة بكذا، ولكن لا يفترقا إلا عن رضا، وعن شعبة قال: سألت الحكم وحمادًا عن الرجل يشتري من الرجل الشيء فيقول: إن كان بنقد فبكذا، وإن كان إلى أجل فبكذا، قال: " لا بأس إذا انصرف على أحدهما. قال شعبة: فذكرت ذلك للمغيرة، فقال: كان إبراهيم لا يرى بذلك بأسًا إذا تفرق على أحدهما.

تحديد الثمن وفوائد التقسيط:

من العقود التي اطلعت عليها وجدت البائع يذكر ثمن السلعة، ثم يذكر فوائد مدة التقسيط، فيقول مثلًا: ثمن السيارة خمسون ألفًا، يدفع عند التعاقد خمسة آلاف ويقسط الباقي على عشرة أشهر، وبعد هذا نجد عبارة: فوائد التأخير خمسة آلاف.

فيكون قيمة القسط الشهري خمسة آلاف.

وهذا يعني ربط الزيادة بالدين ومدته، ولذلك إذا رأى المشتري أن يعجل بأداء الدين تخصم منه الفوائد، ويدفع الباقي كأنه اشترى نقدًا من بدء التعاقد، وإذا أراد أن يدفع بعض الأقساط فقط قبل موعدها، تخصم فوائد هذه الأقساط، وإذا تأخر في دفع الأقساط – كلها أو بعضها – عن موعدها، تحسب فوائد تأخير إضافية تعادل سعر الفائدة السائد، وهكذا. وأعتقد أن التحريم هنا واضح جلي.

خصم البائع كمبيالات الأقساط المؤجلة لدى بنك ربوي:

يقصد بالخصم (١) (أو القطع) دفع البنك لقيمة الكمبيالة قبل ميعاد استحقاقها، بعد خصم مبلغ معين يمثل فائدة القيمة المذكورة عن المدة بين تاريخ الخصم وميعاد الاستحقاق، مضافًا إليها عمولة البنك ومصاريف التحصيل.

والخصم عقد قرض ربوي كما بينت بالتفصيل في البحث الذي قدمته للمؤتمر الثاني للمجمع، وفي أكثر من كتاب من كتبي.

وعند الشراء بالتقسيط قد يأخذ البائع من المشتري كمبيالات بقيمة الأقساط، وهي قابلة للتظهير، أي نقل الملكية، ثم يقوم بعملية (الخصم أو القطع) لدى بنك ربوي، فتصبح العلاقة بين المشتري وبين البنك، وهي علاقة مدين بدائن، ويخضع المدين هنا لسعر الفائدة الربوية التي يحددها البنك في ظل القانون الوضعي.


(١) (١) من تعريفات الخصم ما يلي: (أ) إن الخصم اتفاق يعجل به الخاصم لطالب الخصم قيمة ورقة تجارية أو سند قابل للتداول أو مجرد حق آخر، مخصومًا منها مبلغ يتناسب مع المدة الباقية حتى استيفاء قيمة الحق عند حلول أجل الورقة أو السند أو الحق، وذلك في مقابل أن ينقل طالب الخصم إلى البنك هذا الحق على سبيل التمليك وأن يضمن له وفاءه عند حلول أجله. (ب) خصم السندات عقد يعجل المصرف بمقتضاه إلى حامل سند مالي على الغير لم يحل أجله دفع قيمته بعد اقتطاع الفائدة، على أن تنتقل ملكية السند إلى المصرف مقيدة بشرط استيفاء الدين عند حلول الأجل. (عمليات البنوك للدكتور علي جمال الدين – ص ٤٩٦) . ويلاحظ في التعريفات وجود الفائدة نظير إقراض قيمة الورقة التجارية، فهي إذن قرض ربوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>