للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففيه أن ابن عباس قال: "فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه" فهذا صريح في أن مذهب ابن عباس أن الفطر معلق بالرؤية أو إكمال العدد ثلاثين فقط وأن المشار إليه بقوله: هكذا، هو عدم الإكتفاء برؤية معاوية سواء كان ذلك لحديث: ((إذا رأيتموه فصوموا)) أو لغيره وليس ذلك لرد ابن عباس شهادة كريب لأنه شاهد واحد فإن كان كريبا قال لابن عباس: نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية، فقد شهد ونقل شهادة الناس وحكم معاوية بالصوم وأما ما تمسك به القائلون بعدم اعتبار اختلاف المطالع من تعلق الخطاب عامًا بمطلق الرؤية في حديث: ((صوموا لرؤيته)) . فمسلم لكنهم لا ينكرون أن الخطاب إنما تعلق عاما بالرؤية بعد الغروب لا مطلقًا فلا يعم إلا بكل من تحقق لديهم الرؤية بعد الغروب أما من لم توجد عندهم الرؤية بعد الغروب بل وقت الغروب عند من رأوه هو وقت طلوع الشمس عند الآخرين فكيف نوجب عليهم الصوم ولم يوجد عندهم سبب الوجوب وهو رؤية الهلال بعد الغروب فعلم أن الحديث عام في كل قوم تحقق بالنسبة إليهم رؤية الهلال بعد الغروب فلا يدل على عدم اعتبار اختلاف المطالع ولذلك قال الزيلعي: والأشبه أنه يعتبر. واقتصر عليه في البدائع، فإنه بعد أن ذكر أن الهلال إذا رآه أهل بلد يلزم أهل البلدة الأخرى قال: هذا إذا كانت المسافة بين البلدتين قرييبة لا تختلف فيها المطالع فأما إذا كانت بعيدة لا يلزم أهل أحد البلدين حكم الآخر لأن مطالع البلاد عند المسافة الفاحشة مختلفة فيعتبر في كل أهل بلد مطلع بلدهم دون البلد الآخر وإن كان قوله عند المسافة الفاحشة ليس بقيد بل المدار في الحكم على اختلاف المطالع وهو باختلاف عرض البلدين بلا مدخل لبعد المسافة وقربها ولذلك اتفقوا على اعتبار اختلاف المطالع في وجوب الحج فاعتبروا مطلع مكة، وفى الأضحية أوجبوا على كل قوم الأضحية في يوم النحر وهو العاشر من شهر ذى الحجة على حسب ما يرى هلاله عندهم فلا معنى للاختلاف بعد ذلك في الصوم دون سائر أوقات العبادات وبالجملة فالواجب التوفيق بما وفقت به المالكية فيحمل قول من قال بعدم اعتبار اختلاف المطالع على ما إذا كان اختلافها لا يؤدى إلى تفاوت في رؤية الهلال بعد الغروب وقول من قال باعتباره على ما إذا كان اختلافها يؤدي إلى ذلك فإن اختلاف مطالع البلاد كما علمت مبني على اختلاف عروضها وأن عرض كل بلد هو بعدها عن خط الاستواء وهذا الاختلاف قد يكون يسيرًا جدًا لا يترتب عليه اختلاف في رؤية الهلال بين البلدين بعد الغروب وإنما يتفاوت مكث الهلال بعده في أفقهما وقد يكون فاحشًا يترتب عليه ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>