للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الثاني

مشروعية تأجيل الدين وتقسيطه

إن تأجيل الدين مشروع وإن كان خلاف الأصل.

ومشروعيته ثبتت بالقرآن الكريم والسنة النبوية واتفاق الأمة.

ففي القرآن الكريم جاء قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [سورة البقرة: الآية ٢٨٢] (١) فالنص يصرح بجواز تأجيل الدين، ومقتضى تسمية الأجل معلوميته، أما الكتابة فقد حملت على الندب لا الوجوب.

ومن السنة النبوية المطهرة ((أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى طعامًا وأجل الثمن)) (٢) ، كما أن الأمة زاولت وما تزال تزاول هذه الصيغة من التعامل لا يعلم مخالف في هذا (٣) .

وإذا ثبت جواز تأجيل الثمن ثبت جواز تأجيله ليدفع قسطًا واحدًا أو أقساطًا لأن الحالتين مشمولتان بالتأجيل.

وقد نصت مجلة الأحكام العدلية في المادة (٢٤٥) على أن (البيع مع تأجيل الثمن وتقسيطه صحيح) .

وينبغي أن يلاحظ أن تأجيل الدين أو تقسيطه لا يثبت إلا بالنص عليه عن طريق الشرط في العقد أو بعده، لذا فإنه مع الإطلاق لا يثبت التأجيل إلا إذا كان العرف يقتضي التأجيل (مادة ٢٥١ مجلة الأحكام العدلية) .

على أنه ينبغي أن يعلم أن تأجيل الدين المتولد عن البيع حين يشترط في العقد أو بعده، فإنه لازم للبائع وليس له إلزام المشتري بأداء الدين قبل حلول موعد أدائه.

ويمكن أن يقال هذا في دين متولد عن ضمان المتلفات أو بدل الإيجار أو غيره (٤) .

أما دين القرض فقد حصل خلاف بين العلماء في لزوم أجله إذا اشترط تأجيله، فالجمهور على أن دين القرض يثبت في الذمة ويكون تأجيله تبرعًا من المقرض فإذا اشترط الأجل فيه فإنه لا يلزم، ويجوز للمقرض أن يطالب بالقرض متى شاء.

أما الإمام مالك يوافقه الليث بن سعد فقد ذهبا إلى أن القرض يلزم إلى أجله إذا أجل، فلا يطالب المقرض المدين قبل حلول الأجل لأن المؤمنين عند شروطهم (٥)

* * * *


(١) انظر تفسير القرطبي: ٣/٣٧٧.
(٢) انظر فتح الباري: ٥/٣٥، ١٤٣؛ صحيح مسلم: ٣/١٢٢٦.
(٣) المغني والشرح الكبير: ٤/٤٩، ٢٨٧.
(٤) المغني والشرح الكبير: ٤/٣٥٤، ويبدو مما يذكره ابن قدامة أن بدل الإيجار وضمان المتلف والصداق وبدل الخلع اختلف الفقهاء في ثبوت الأجل فيها إذا أجلت. وقد نقل عن أبي حنيفة أنه يرى ثبوت الأجل في هذه الأمور، وصرح بأنه خلاف مذهب الحنابلة في عدم ثبوت الأجل.
(٥) انظر: المهذب: ١/٣٣، بدائع الصنائع: ٧/٣٩٦، المغني والشرح الكبير: ٤/٣٥٤، الخرشي: ٥/٢٣٢، حاشية الدسوقي: ٣/٢٢٦ وانظر الأشباه والنظائر للسيوطي، طبعة دار الكتب العلمية: ص ٣٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>