للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ساعد على انتشار هذه البيوع أن البائع الذي يبيع بالتقسيط يمكنه أن يأخذ من المشتري ورقة تجارية (سندًا إذنيًا لأمر البائع، أو سفتجة، أي كمبيالة، مسحوبة على المشتري) أو عدة أوراق تجارية بعدد الأقساط المؤجلة، ثم يخصمها لدى المصرف، ليحصل على قيمتها الحالية، وهذا الخصم المصرفي عندنا من ربا النسيئة المحرم، وعليه فإن المؤسسات الائتمانية الحديثة قد كانت عاملًا مساعدًا على انتشار بيع التقسيط، من طريق قيامها بعمليات الخصم وعمليات أخرى كبطاقات الائتمان.

كذلك فإن المصارف الإسلامية الحديثة قد زاولت بيوع التقسيط، وساعدت على انتشاره، فهي تشتري السلعة بثمن معجل، وتعيد بيعها إلى العميل بثمن مقسط، وذلك من خلال ما سمي " ببيع المرابحة للآمر (أو للواعد) بالشراء "، فهو مرابحة من حيث إن المصرف يبيع السلعة لعميله بثمن الكلفة مضافًا إليه ربح معلوم للمصرف، وهذا هو معنى بيع المرابحة في الفقه الإسلامي باعتباره أحد أنواع بيوع الأمانة (المرابحة، التولية، الوضعية) ، وهو بيع تقسيط من حيث إن المصرف يقسط ثمن البيع على أقساط، وفيه أيضا زيادة على المرابحة والتقسيط، من حيث إن المصرف عند مباشرة العملية لا تكون السلعة لديه، بل يعد العميل بشرائها وإعادة بيعها إليه، والتوسع في الكلام عن بيع المرابحة المطبق في المصارف الإسلامية إنما يخرج عن نطاق هذا البحث، ويدخل في نطاق بحوث أخرى لي منشورة (انظر على سبيل المثال: ورقتي المقدمة للدورة الخامسة لمجلس المجمع الفقهي – جدة) .

١-٣ أهمية بيع التقسيط في شركة الوجوه:

شركة الوجوه، في الفقه الإسلامي، هي شركة بين اثنين أو أكثر يشترون بالنسيئة أو بالتقسيط، ويبيعون بالنقد، وربما بالنسيئة والتقسيط أيضا، أي أن الشركة لا رأس مال لها، بل تعمل بأموال الغير (= الدائنين) ، ويقتسم الشركاء الأرباح بحسب ملكية (وضمان) كل منهم في المال المشترى، وقد فصلنا الكلام في شركة الوجوه في موضع آخر.

ويهمنا هنا أن شركة الوجوه الجائزة عند الحنفية والحنابلة، إنما تعتمد على بيع النسيئة أو التقسيط ولا سيما من حيث علاقة الشركة بمورديها، أي البائعين إليها.

١-٤ هل عالج الفقهاء القدامى بيع التقسيط؟

تكلم الفقهاء عن بيع مؤجل الثمن، كما تكلموا عن تقسيط الثمن (المغني مع الشرح الكبير لابن قدامة ١٤/٢٩١) ، ولكنهم لم يفردوا له كتابًا أو بابًا مستقلًا.

ووجدت في كتاب الأم ٣/٨٦ و ٨٨ و ٨٩ للإمام الشافعي كلامًا صريحًا عن تقسيط المبيع في البيع المؤجل المبيع (بيع السلم = بيع السلف) ، وقد أجازه بشرط معرفة حصة كل قسط من الثمن (المسلف) ، أي معرفة القيمة الحالية لكل قسط وهذا كما لو سلف مبلغًا محددًا في كمية محددة من الحنطة وكمية محددة من التمر، فلابد في كل حالة من معاجلة الأمر على أنها بيوع معلومة بأثمان معلومة، فاختلاف الأجل كاختلاف الصنف المبيع، فالأقساط حتى لو تساوت من حيث قيمتها الاسمية، فإنها تختلف في القيمة الحالية، فإن مائة صاع من القمح تقبض بعد شهر ليست مساوية لمائة صاع من القمح تقبض بعد شهرين.

وبالطبع فإن ما شرطه الشافعي في بيع السلم المقسط غير محتاج إليه في بيع النسيئة المقسط، ذلك لأن المبيع في بيع النسيئة يقبضه المشتري دفعة واحدة، أما في بيع السلم فيقبضه على دفعات متعددة، وقد اشترط الشافعي معرفة حصة كل دفعة من الثمن، خشية عدم قدرة البائع على تسليم دفعة أو أكثر من الدفعات، فيمكن عندئذ فسخها بحصتها من الثمن، دون أن تتأثر بذلك بقية الدفعات التي سلمت في الماضي أو ستسلم في المستقبل.

<<  <  ج: ص:  >  >>