للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الثاني

حكم بيع التقسيط وحكمته

٢-١ بيع النسيئة جائز بالنص:

روى الشيخان وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعامًا (وفي رواية: شعيرًا) إلى أجل (وفي رواية: بنسيئة) ، ورهنه درعًا له من حديد البخاري ٣/١٠١ و١٨٦ ومسلم ٤/١٢٣ واللفظ له.

وهذا البيع جائز، سواء كان مع اليهود أو مع المسلمين أو سواهم، فهو نظير بيع السلم (= بيع السلف) .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سلف في شيء ففي كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم)) ، رواه البخاري ٣/١١١ واللفظ له، ومسلم ٤/١٢٤ وغيرهما.

وجواز بيع النسيئة (وهو بيع مؤجل الثمن) يعني جواز بيع التقسيط، لأن هذا البيع ليس إلا بيعًا مؤجل الثمن، غاية ما فيه أن ثمنه مقسط أقساطًا، لكل قسط منها أجل معلوم، ولا فرق في الحكم الشرعي بين ثمن مؤجل لأجل واحد وثمن مؤجل لآجال متعددة.

على أنه تجدر الإشارة إلى أن بيع النسيئة، وإن كانت هناك نصوص أجازته، إلا أنه ليست هناك نصوص أجازت فيه الزيادة لأجل التأجيل أو التقسيط، بل هذا يحتاج إلى استنتاج وإظهار، وهو ما سنقوم به في هذا البحث.

٢-٢ حكمة بيع التقسيط

في بيع التقسيط فائدة لكل من البائع والشاري:

١- فالبائع يزيد في مبيعاته، ويعدد من أساليبه التسويقية، فيبيع نقدًا وتقسيطًا، ويستفيد في حال التقسيط من زيادة الثمن لأجل التقسيط.

٢- والمشتري يستطيع الحصول على السلعة، والاستمتاع باستهلاكها أو استعمالها، قبل أن يمكنه دخله أو ثروته من ذلك، وهو بدل من أن يدخر ثم يشتري بالنقد، فإنه يشتري بالتقسيط، فيتعجل السلعة ويسدد ثمنها نجوما (= أقساطًا) .

٢-٣ مخاطر التوسع في الاستدانة:

البيع بالتقسيط هو بيع بالدين، ولا ينبغي التوسع في الاستدانة، لأن الاستدانة، في حالة الشراء بالتقسيط، فيها زيادة في مقابل الأجل، أضف إلى ذلك أن حجم الدين يجب ألا يتجاوز قدرة المدين على السداد، والدين إذا كان " عامًا " (أي إذا كانت الحكومة هي المدينة) ، ولا سيما الطويل الأجل منه، يحمل الأجيال القادمة عبء الجيل الحالي، إذا كان ممولًا بأموال الزكاة أو غيرها من الموارد العامة، ففي مثل هذه الحالات يكون الدين همًّا بالليل ومذلةً بالنهار، كما ورد في بعض الآثار (كنز العمال ٦/٢٣١ و٢٣٢، أو همًّا في أوله وحربا (= إفلاسًا) في آخره (الموطأ ٢/٧٧٠) .

وإذا كان الدائن غير مسلم، مثل حالة البلدان الأجنبية الدائنة، ففي الدين من مخاطر سيطرة البلدان الدائنة، وتبعية البلدان المدينة، ما لم يعد يخفى على أحد في عصرنا هذا، ومحاولة استعباد المدين محاولات قديمة، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه امرؤ مسلمًا، فرآه عاريًا، يأمر بلالًا رضي الله تعالى عنه بالاقتراض قال بلال: يأمرني فأنطلق فأستقرض، فاشتري له البردة، فأكسوه وأطعمه، حتى اعترضني رجل من المشركين، فقال: يا بلال، إن عندي سعة، فلا تستقرض من أحد إلا مني، ففعلت، فلما أن كان ذات يوم، توضأت ثم قمت لأؤذن بالصلاة، فإذا المشرك قد أقبل في عصابة من التجار، فلما رآني قال: يا حبشي، قلت: يا لباه (= لبيك) ، فتجهمني، وقال لي قولًا غليظًا، وقال لي: أتدري كم بينك وبين الشهر؟ قلت: قريب. قال: إنما بينك وبينه أربع، فآخذك بالذي عليك، فأردّك ترعى الغنم، كما كنت قبل ذلك! إلى أن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أبشر فقد جاءك الله تعالى بقضائك. . .)) الحديث رواه أبو داود في باب الإمام يقبل هدايا المشركين (عون المعبود ٨/٣٠٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>