للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال تعالى: {إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (٢٧) } [سورة الدَّهر (= الإنسان) : الآية ٢٧] ، أي ثقل الله جزاء الآخرة، ثوابها وعقابها، فكان في ثواب المؤمنين زيادة عذاب للكافرين، وكان في عذاب الكافرين زيادة نعيم للمؤمنين فمن آمن بالآخرة تحول تفضيله في هذا الباب من العاجل إلى الآجل، ومن أنكر الآخرة بقي تفضيله للعاجل على الآجل، هذا هو الابتلاء فهؤلاء يقولون: (الدنيا نقد والآخرة نسيئة، والنقد أحسن من النسيئة) (كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم ص ٣٨) ، أو يقولون: (ذرة – ولعلها: درة – منقودة ولا درة موعودة) (الجواب الكافي لابن القيم ص ٣٨) ، أو: (عصفور باليد ولا عشرة على الشجرة) أو: (خير البر عاجله) .

وهكذا إذا كان هناك بدلان متساويان في كل شيء إلا في الزمن، أحدهما معجل والآخر مؤجل، آثر الناس بدل المعجل على المؤجل، أي: (إذا تساوى النقد والنسيئة، فالنقد خير) (الجواب الكافي ص ٣٨) ذلك بأن البدل المعجل يسمح باستهلاك معجل، أو استثمار معجل، أو سداد دين حالّ، أو التوقي من مخاطرة عدم سداد البدل المؤجل، أو من مخاطرة تقلبات الأسعار وقيمة النقود.

فإذا ما أريد قلب هذا التفضيل إلى تفضل معاكس: تفضيل البدل الآجل على العاجل، أو المساواة بينهما على الأقل، زيد في البدل المؤجل مقدار مناسب، لتحقيق هذا القلب.

١٠-٣ مبدأ قيمة الزمن:

وهذا تعبير آخر عن المبدأ السابق، فلولا أن للزمن قيمة مالية في الشرع، لما كان للقرض ثواب عند الله، ولما جازت الزيادة في البيوع بسبب الأجل، والبدل المؤجل في البيع سواء كان ثمنا (كما في بيع النسيئة أو التقسيط) ، أو مبيعًا (كما في بيع السلم) لا يجوز لصاحب الحق المطالبة بتسليمه قبل الأجل، لأن البدل المؤجل ترتبط قيمته بأجله، فقيمته هي كذا في أجل معين، وتنقص هذه القيمة إذا تقدم الأجل، وتزيد إذا تأخر (قارن الأم للشافعي ٣/٨٨) وهذا بخلاف القرض، يجب على المقترض وفاؤه إذا أيسر (= اغتنى) ، ولو كان مؤجلًا إلى أجل معين، لأن القرض فيه إحسان، أما البيع فإنه معاوضة، أي أن البيع زيد فيه للأجل، خلافًا للقرض فالعوض عن الأجل يقتضي الدفع في الأجل، لكن لا يقتضي العوض بالضرورة، كما في القرض لو أجل (قارن المغني لابن قدامة ٤/٣٥٧، والأم للشافعي ٣/٧٨، والمهذب للشيرازي ١/٤٠٠، والموافقات للشاطبي ٤/٤١) .

وبما أن للزمن قيمة، فإن مطل الغني ظلم، لأن المماطلة تعني رغبة المماطل في دفع نفس القيمة، ولكن بتاريخ لاحق.

إن مبدأ قيمة الزمن مهم اليوم في علوم الاقتصاد والإدارة والتخطيط ودراسات الجدوى وتقويم المشروعات وغالبًا ما يشار إليه بـ (القيمة الزمنية للنقود) (Time value of money)

والنقود في هذه العبارة ليس ذكرها إلا على سبيل التمثيل لسائر الأموال، ولا سيما المثلية منها.

<<  <  ج: ص:  >  >>