فالتاجر الذكي هو الذي ينظر بعيدًا ولا يفوت على نفسه مثل هذا الربح، وكل ما يعمله هو أنه يحتاط فلا يبيع نسيئة إلا لمن يثق به، ويطمئن إلى صدقه في تعامله.
لذا نجد قسمًا كبيرًا من الباعة الذين ينظرون هذه النظرة البعيدة لا يتوانون عن البيع نسيئة بسعر النقد، ولا يعتمدون في توثيق ما يترتب على زبائنهم من الديون إلا على سجل بسيط يكتبون فيه اسم المدين ومقدار الدين المترتب عليه.
وثمة شيء آخر لابد من بيانه هو أن ديننا يأمرنا ببناء المجتمع على أساس من الحب والتآخي ومراعاة مصلحة الغير والأخذ بيد الضعيف وذوي الحاجة ومعاونتهم لا بناءً على الجشع والطمع وحب الذات، فأي مسلم هو هذا الذي يستغل حاجة صاحب الحاجة فيبيعه الشيء بأكثر من سعر السوق بسبب الأجل، فيزيد بذلك من حاجته ويرهق كاهله بعبء على عبء وثقل على ثقل؟ فأين التراحم الذي يأمرنا به ديننا؟ وأين يكون مكان هذا البائع من قوله صلى الله عليه وسلم ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) . (١)
٨- أما القول بجواز زيادة السعر في البيع بالنسيئة قياسًا على جواز البيع بالنقد بأكثر من سعر اليوم فهو احتجاج واه، وذلك لأن المشتري بالنقد إما أن يعرف قيمة البضاعة في السوق أو لا يعرف، فإن كان يعرف ومع ذلك فإنه يشتريها من البائع بأكثر من سعر السوق مع وجود المجال لديه ليشتريها من غيره بسعر السوق، فهنا يعد البيع صحيحًا ويكون المشتري في حكم المتبرع بالزيادة التي يدفعها، أما إذا كان يجهل سعر السوق فالبيع يعتريه الغبن، والغبن لون من ألوان الغش، وهو حرام يجب على المسلم تجنبه.