للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه الحجة تبدو مقبولة في الظاهر ولكنها مرفوضة في الحقيقة لأنها لو كانت مقبولة للزم أن يجوز أخذ الزيادة عن مبلغ القرض عندما يقرض شخص غيره مبلغًا من المال لمدة معينة، لأن مبلغ القرض ينحبس أيضًا عند المقترض إلى حين الوفاء، ولا يستفيد المقرض منه شيئا، وأنه لولا هذه القرض لكان المبلغ في تداول بالتجارة ويدر ربحا، ولكن نجد أن الشارع ألغى هذه الفائدة وحرمها.

إذ ورد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أقرض – أي أحدكم – فلا يأخذ هدية)) (١) .

وورد أيضا عن أبي بردة بن أبي موسى قال: قدمت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام، فقال لي: إنك بأرض فيها الربا فاشٍ، فإذا كان لك على رجل حق فأدَّى إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت فلا تأخذه فإنه ربا (٢) .

٧- الاحتجاج بالمصلحة والحاجة لإباحة ما نحن فيه من موضوع احتجاج ساقط عن الاعتبار، فالقائلون بإباحة الربا في المعاملات التجارية تمسكوا أيضا بذيل هذه الحجة الذي انقطع بهم إلى سحيق الهاوية.

فالمصلحة هنا من المصالح الملغية لا من المصالح المعتبرة كما هو الأمر في موضوع الربا، لأنها هنا وهنالك تؤدي إلى الاستغلال والجشع وتفاقم دوافع الطمع في النفوس، هذه الأمور المنهي عنها شرعًا بنصوص عدة.

لا بل يمكن القول إن المصلحة في خلاف هذا، أي إنها داعية للقول بعدم جواز البيع نسيئة بسعر أعلى من سعر البيع بالنقد منعًا لاستغلال حاجة أصحاب الحاجة والإثراء على حسابهم، وليس في هذا إضرار بسير حركة البيع والشراء في الأسواق، كما ليس فيه تعطيل لحاجيات أصحاب الحاجة الذين لا يملكون شراء حاجياتهم نقدًا، لأن التاجر إن وجد انغلاق باب البيع نسيئة بسعر أعلى من سعر النقد يدفعه واقع تجارته وما يرجوه من الربح أن يبيع سلعة نسيئة ونقدًا بسعر واحد، وأن يبيع بالنسيئة كما يبيع بالنقد، لأن البيع بالنسيئة فيه ربح مثلما هو الحال في البيع بالنقد، وكل ما يحصل هو تأخير استيفاء الثمن بعض الوقت في البيع بالنسيئة، ولو امتنع عن البيع بالنسيئة لفوت على نفسه من الربح مبلغًا لو نظر بعيدًا لوجده شيئًا كثيرًا على مدار الأيام.


(١) رواه البخاري في تاريخه انظر نيل الأوطار: ٥/٢٤٥.
(٢) رواه البخاري المصدر السابق

<<  <  ج: ص:  >  >>