للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لذا وجدنا الشوكاني يقول: وما قاله – أي الأوزاعي – هو ظاهر الحديث لأن الحكم له بأوكس يستلزم صحة البيع به كما مر معنا.

ومما يذكر هنا هو أن الأوزاعي عندما يخالف الجمهور في هذه الصورة، فهو يوافقهم في صورة اتجاههم بجواز زيادة السعر في البيع بالنسيئة على السعر في البيع بالنقد إن افترق المتبايعان على أحد السعرين، كأن يقول البائع: بعتك الشيء نقدًا بعشرة دراهم ونسيئة لمدة كذا بخمسة عشر درهمًا، فيقول المشتري: قبلته نسيئة بخمسة عشر درهما (١) .

وما أقوله هنا، هو أنه كان الجدير بالأوزاعي أن يقرر في هذه الحالة أيضًا أن البائع ليس له إلا أوكس الثمنين، لأن هذا هو ظاهر الحديث الذي صرفه في الصورة الأولى عن رأي الجمهور، إذ ليس فيه التفريق بين صورتي البيع – الافتراق دون تحديد أحد الثمنين والافتراق على تحدي أحدهما – فالبيع بيعان في الحالتين، وصريح النص يقرر أن البائع ليس له إلا أوكس الثمنين أو الربا، ولا اعتبار برضا المشتري بزيادة الثمن في البيع بالنسيئة، لأنه رضا يشوبه الإكراه المعنوي الناجم عما يتقلب فيه من حاجة واضطرار.

وبعد ملاحظة ما تقدم يمكن القول إن البائع إذا باع بنقد بكذا أو بنسيئة بأكثر منه مقابل الأجل لا يحل له أخذ الزيادة وإن تم الاتفاق على سعر النسيئة قبل الافتراق.

وكذلك الأمر إذا باع البائع الحاجة وقال ابتداءً إنها نسيئة بكذا، وكان السعر أكثر من سعر اليوم، وإن لم يذكر أنها بالنقد بكذا، لأن العبرة هنا بالنية والقصد لا بالعبارات والألفاظ فصورتا البيع من حيث المال شيء واحد وتؤديان إلى نتيجة واحدة، وهي زيادة السعر مقابل الأجل، فالبائع عندما يقول السلعة نسيئة بكذا دون أن يقول إنها بالنقد بكذا، يقدر في كلامه القول إنها بالنقد بكذا ما دام السعر أعلى من سعر النقد بسبب الأجل، لذا يكون الحديث منطبقًا عليه ويسري عليه حكمه.

٦- أما الاستدلال للجواز بأن البائع بالنسيئة ينحبس ثمن بضاعته لدى المشتري لحين أدائه فيحرم بذلك من الاستفادة منه خلال مدة الأجل ولا يربح منه شيئا بعكس ما لو كان البيع بالنقد، فإن فائدته من المبلغ تتجدد وتزداد كلما اشترى به شيئا وباعه، لذا كان من حقه أن يزيد من قيمة البضاعة إن باعه نسيئة مقابل ما يفوته من الربح لو كان المبلغ تحت يده ويداوله بالبيع والشراء.


(١) المصدر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>