للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لذلك نجد الشوكاني نفسه يقول: وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ تِلْكَ الرواية التي تفرد بها ذلك الراوي صالحة للاحتجاج. . . على أن غاية ما فيها الدلالة على المنع من البيع إذا وقع على هذه الصورة، وهي أن يقول نقدًا بكذا ونسيئة بكذا، لا إذا قال من أول الأمر نسيئة بكذا فقط وكان أكثر من سعر يومه، مع أن المتمسكين بهذه الرواية يمنعون من هذه الصورة أيضا (١) .

ونجد السماك راوي حديث ((نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة)) ، يفسر الحديث ويقول، هو الرجل يبيع البيع فيقول هو بنسأ بكذا وهو بنقد بكذا، وهو أحد تفسيري الشافعي فقال: بأن يقول بعتك بألف نقدًا أو ألفين إلى سنة فخذ بأيهما شئت وشئت أنا ويقول الشوكاني هنا: أما التفسير الذي ذكره أحمد عن سماك وذكره الشافعي ففيه مستمسك لمن قال يحرم بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لأجل النساء (٢) .

وما نقله ابن الرفعة عن القاضي – وقد مر معنا – أن المسألة مفروضة على أنه قبل على الإبهام، أما لو قال قبلت بألف نقدًا أو ألفين بالنسيئة صح ذلك، فهو غير وارد كما يبدو لي لعدم وجود دليل على فرض المسألة على هذا الوجه في الحديث لا صراحة ولا دلالة، إذن فما الداعي إلى الإعراض عن ظاهر معنى الحديثين، واللجوء إلى التأويل بما هو بعيد عن الظاهر؟

وهذه الظاهر هو الذي حمل الإمام الأوزاعي ليصحح البيع بأوكس الثمنين في حال أخذ المشتري السلعة دون تحديد أحد الثمنين، ثمن السلعة نقدًا وثمنها نسيئة وهو ما قال به عطاء أيضا، لأن الحديث الثاني صريح في أن البائع له أوكس الثمنين (٣) .

وقول الخطابي: لا أعلم أحدًا قال بظاهر الحديث إلا ما حكي عن الأوزاعي، وهو مذهب فاسد، هو محل نظر لأن بعض فقهاء السلف قالوا بظاهر الحديث وحرموا البيع نسيئة بالزيادة عن سعر اليوم – كما مر معنا -.

ثم لماذا يكون القول بظاهر الحديث قولًا فاسدًا، والأصل في معاني العبارات ظاهرها، ولا مساغ للانصراف عنه بالتأويل لإسباغ معنى آخر عليها إلا لداع، ولا داعي هنا؟


(١) نيل الأوطار: ٥/١٦٢.
(٢) المصدر السابق: ٥/١٦١، ١٦٢.
(٣) فقه الإمام الأوزاعي: ٢/١٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>