للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤- وجدنا أن أكثر الفقهاء قالوا إن نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة هو بخصوص بيع البضاعة بقيمتين، إن كان نقدًا بسعر وإن كان نسيئة بسعر أعلى، ويأخذ المشتري البضاعة قبل الاتفاق على أحد السعرين، ويرون أن الحرمة الناشئة عن النهي ليس بسبب زيادة السعر في البيع بالنسيئة عن سعر البيع بالنقد، وإنما بسبب جهالة السعر.

وتوجيه الحديث على هذا النحو – كما يبدو لي – تحكم في معناه بما لا يدل عليه ظاهره، وتأويل بما لا يتحمله، فما الداعي إذن للانصراف عن المعنى الظاهر له؟ فظاهر الحديث، إذا قلنا إنه بخصوص البيع نقدًا بسعر ونسيئة بسعر – كما هو تفسير أكثر الفقهاء – يدل على النهي عن البيع بالنسيئة بسعر أعلى من سعر اليوم، ويدل على هذا المعنى دلالة ظاهرة حديث أبي هريرة المار معنا الذي نصه: " من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا: فهو يفيد أن البائع إذا باع حاجة نقدًا بسعر ونسيئة بسعر فله أوكس الثمنين من سعر البيع وسعر النسيئة، أي أقل الثمنين منهما، فإن أخذ أعلى السعرين يكون قد أربى وتحرم عليه الزيادة.

وما ذكره الشوكاني – كما مر معنا – بأن الحديث في إسناده محمد بن عمرو بن علقمة قد تكلم فيه غير واحد (١) لا يوهن الحديث، فالذهبي قال محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني شيخ مشهور حسن الحديث مكثر، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قد أخرج له الشيخان متابعة. . . وقال أبو حاتم الرازي، صالح الحديث، وقال النسائي لا بأس به (٢) .

فالحديث إذن صالح للاستدلال به، وهو مفسر وموضح للحديث السابق، ويفيد – كما قلنا – أن البائع إن حدد للمشتري في البيع بالنقد سعرًا وللنسيئة سعرًا فليس له إلا أقل السعرين وإلا يكون قد أربى.

ويعضد هذا الحديث ويقويه ما رواه الطبراني في المعجم الكبير من حديث ابن مسعود موقوفًا بلفظ: " الصفقة في الصفقتين ربا " (٣) كما روي عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تحل صفقتان في صفقة)) (٤) .


(١) نيل الأوطار: ٥/١٦١.
(٢) ميزان الاعتدال: ٣/٦٧٣.
(٣) مجمع الزوائد: ٤/٨٤.
(٤) المصدر السابق، نصب الراية ٤/٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>