للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعليه إذا قلنا إن البيع بالنسيئة بزيادة السعر صورة من صور بيع العينة كان بيعًا مشوبًا بالربا يلزم على المسلم تجنبه، وإن قلنا إنه من بيع المضطر يلزم عدم الاقتراب منه وإلا كان واكسًا مخالطا رزقه بالحرام.

٢- الاستدلال بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} لجواز البيع بالنسيئة بسعر أكثر من سعر النقد هو أيضا غير وارد، إذا يقال هنا ما قلناه في الفقرة السابقة من الكلام، لا بل يمكن أن تنهض الآية حجة للقول بعدم الجواز، واعتبار الزيادة التي يتقاضاها البائع من المشتري داخلًا ضمن عموم النهي عن أكل الأموال بالباطل الوارد في الآية، لأن البيع إذا عد بيع عينة أو بيع اضطرار يكون بيعًا منهيًّا عنه، ويكون أخذ الزيادة بسبب الأجل أكلًا لأموال الناس بالباطل لا أكلًا من التجارة عن تراض.

فالتجارة عن تراض هي التقلب في الأسواق وشراء الحاجيات والبضائع وبيعها بالسعر السائد في الأسواق من غير احتيال أو غش أو تدليس أو خداع أو استغلال لحاجة البائع أو المشتري فالبيع بأكثر من سعر السوق إن كان دافعه اضطرار المشتري وحاجته لا يكون بيعًا عن تراض بالمعنى الحقيقي، وإنما هو بيع من البائع وشراء من المشتري يشوبهما الإكراه بسبب الاضطرار، لذا فإن البيع هنا يفقد المعنى الحقيقي للبيع عن تراض.

٣- أما الحديث: " إنما البيع عن تراض " فيلزم أن نفهمه على أساس ما تقدم من التوجيه والإيضاح، وهذا الأساس هو الوجه الداعي لتحريم الاحتكار، وهو العلة لما ورد من التوعد بشأن المحتكرين، فالمحتكر الذي ينفرد بخزن البضاعة ويضع يده عليها ولا يبيعها إلا عندما يضطر أهل الحاجة لشرائها بالسعر الذي يفرضه يستغل حاجة أصحاب الحاجة، فرضا أصحاب الحاجة بشراء البضاعة منه بالسعر الذي يفرضه لا يحل له ما يقبضه زائدًا عن سعر البضاعة الحقيقي، إذ لا عبرة برضائهم لأن اضطرارهم الناجم عن موقف المحتكر يكرههم على الشراء بالسعر المفروض.

<<  <  ج: ص:  >  >>