للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولفظ البيع هنا مثل لفظ الشراء من ألفاظ الأضداد، ويأتي أحدهما بمعنى الآخر (١) وبيع المضطر قد يكون في حال شرائه السلعة من غيره، وقد يكون في حال بيعه السلعة إلى غيره، فإذا احتاج إلى سلعة ولم يكن لديه من النقد ما يدفع به حاجته يدفعه الاضطرار إلى شرائه بالنسيئة بزيادة عن سعر النقد مقابل الأجل، وإذا احتاج إلى مبلغ من المال لتسديد دين وجب دفعه، أو لمعالجة مرض أصابه أو أصاب أحد أفراد أسرته، ولم يجد من يستدينه فإنه يلجأ بدافع الاضطرار إلى عرض سلعة يملكها للبيع، فيستغل شخص اضطراره فيشتريها منه بثمن أقل من قيمتها.

فبائع السلعة هنالك ومشتري السلعة هنا يشملان بالنهي الوارد في الحديث

أي على البائع أن لا يستغل حاجة المشتري فيأخذ أكثر عن سعر السوق بسبب الأجل , وعلى المشتري هنا أيضًا أن لا يستغل اضطرار البائع فيبخس بضاعته وينقص من قيمتها

والنهي هنا للحرمة لا للكراهة كما هو الأصل فيه، إذ لا ينصرف إلى الكراهة إلا بصارف، وليس هنا أي صارف.

ولا عبرة هنا برضا المشتري عندما يقبل الشراء نسيئة بسعر أكثر من سعر النقد، كما لا عبرة برضا البائع الذي يبيع سلعته بأقل من قيمتها بدافع الضرورة، لأنه في كلتا الحالتين رضا يفسده ما يتقلب فيه كل من المشتري والبائع من الحاجة والاضطرار المفسدين لإرادته إن لم يكونا سالبين لها.

ولا عبرة أيضا بالخلاف في حرمة بيع المضطر وما يترتب عليه من الزيادة في السعر أو النقص منه بدليلين، الأول وجود صريح النهي عنه – وهو كما قلنا للحرمة لا للكراهة لعدم وجود صارف عنه – والثاني هو اقترانه بالنهي عن بيع الغرر المتفق على حرمته، وبالنهي عن بيع الثمرة قبل أن تدرك، الذي قال بحرمته الفقهاء.

ومما يذكر أيضا أن ابن القيم قال: للعينة (٢) صورة رابعة، وهي أخت صورها، وهي أن يكون عند الرجل المتاع فلا يبيعه إلا بنسيئة.

وقال: وعلله شيخنا ابن تيمية رضي الله عنه بأنه يدخل في باب بيع المضطر، فإن غالب من يشتري بنسيئة إنما يكون لتعذر النقد عليه، فإذا كان الرجل لا يبيع إلا بنسيئة كان ربحه على أهل الضرورة والحاجة (٣) .


(١) المصباح المنير.
(٢) يأتينا معنى العينة
(٣) عون المعبود: ٩/٣٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>