للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الثاني

المناقشة والترجيح

بعد أن استعرضنا رأي الجمهور في جواز زيادة السعر في البيع بالنسيئة عن سعر البيع بالنقد، وأشرنا إلى رأي بعض علماء السلف الذين لهم رأي معاكس لرأي الجمهور حيث ذهبوا إلى عدم الجواز، أقول: يبدو لي رجاحة قول القائلين بعدم الجواز، وما يحملني على الحيدان عن رأي الجمهور أمور منها ما يتعلق بأدلة الجمهور ومنها ما هو أدلة مستفادة من السنة، ومنها ما هو أدلة عقلية وإليك ما أروم قوله من أدلة ونقاش.

١- إن الاستدلال بقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} لا ينهض دليلًا لجواز زيادة السعر عن سعر اليوم في البيع بالنسيئة، لأن الآية جاءت لتقرير حلية البيع وعدم حرمته، وإباحة التجارة والكسب الحلال، والبيع هذا يلزم أن يكون خاليًا عن الاستغلال والجشع والطمع.

فالشخص الذي يشتري حاجة بالنسيئة بسعر أكثر من سعر النقد لو كان متمكنًا من شرائها بالنقد لما التمس باب النسيئة، ولوفر لنفسه ما يدفعه من الزيادة إلى البائع بسبب الأجل وتأخير دفع الثمن، أي أنه لو لم يكن مضطرًّا إلى شرائها بالنسيئة لما لجأ إلى هذا الوجه في الشراء وإنما اشتراها بالنقد.

والبائع عندما يبيع السلعة إلى طالبها بالنسيئة يدرك كل الإدراك حاجة الطالب إلى السلعة وعدم تمكنه من شرائها بالنقد وما لديه من دافع الاضطرار، فيعرض عليه الزيادة التي يرومها، وتزداد هذه الزيادة كلما بعد موعد الاستيفاء، أو زاد عدد الأقساط، لذا يحرم عليه هذه الزيادة التي تمليها حاجة واضطرار المشتري، إذ ورد عن علي رضي الله عنه أنه قال: سيأتي على الناس زمان عضوض يعض الموسر على ما في يديه، ولم يؤثر بذلك، قال تعالى: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} ويبايع المضطرون، وقد ((نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر وبيع الغرر وبيع الثمرة قبل أن تدرك)) . (١) .


(١) رواه أبو داود، انظر عون المعبود: ٩/٢٣٥، ورقم الحديث (٣٣٦٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>