للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٩- أما القول، إن أسعار السلع تختلف من وقت لآخر، والبائع نسيئة بسعر أعلى من سعر اليوم من حقه أن يحتاط لنفسه، إذ قد يرتفع سعر البضاعة المباعة نسيئة وقت حلول الوفاء بثمنها، فيبدو لي أيضًا أنه ليس فيه ممسك للقول بإباحة زيادة السعر في البيع بالنسيئة عن سعر البيع بالنقد.

نعم قد يرتفع سعر البضاعة المباعة نسيئة وقت حلول وقت دفع الثمن ارتفاعًا يزيد على السعر الذي تم به البيع، ولكن كما يمكن تصور هذا يمكن أيضا تصور عكسه، إذ قد يطرأ الهبوط على الأسعار، وينخفض سعر البضاعة بكثير عن سعر اليوم الذي تم فيه البيع، فكما يتصور ارتفاع الأسعار يمكن تصور انخفاضها أيضا، فلماذا يكون لدى البائع مجال الجشع الحامل له على تصور مصلحته وضمان ربحه الزائد فقط دون مصلحة المشتري؟ أيجوز له أن يصرفه الطمع عن ملاحظة ضيق ذات يد المشتري الذي يلجئه إلى الشراء بالنسيئة بسعر أعلى من سعر النقد، ويدفعه ليحمل نفسه عبئا ماليًّا أكثر مما عليه من عبء؟

١٠- البيع بالنسيئة له شبه قوي بالقرض، فالقرض هو تمليك الشيء على أن يرد بدله (١) فما يتم إقراضه يصبح دينًا في ذمة المقترض يلزم رد مثله أو بدله عندما يحل وقت لزوم الرد والبيع بالنسيئة هو تمليك البضاعة على أن يرد بدلها عند حلول الأجل المتفق عليه، أي أن البدل، وهو المبلغ المتفق عليه يصبح دينًا في ذمة المشتري وعليه أداؤه حين حلول الوقت المتفق على الأداء فيه.

ففي القرض لا يكون المقترض ملزمًا إلا بدفع مثل القرض دون الزيادة عليه، لأن الزيادة عليه تكون ربا يحرم أخذها، إذ أخرج البيهقي في المعرفة عن فضالة بن عبيد موقوفًا ما نصه: " كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا " ورواه في السنن الكبرى عن ابن مسعود وأبي بن كعب وعبد الله بن سلام وابن عباس موقوفًا عليهم، ورواه الحرق بن أبي سلمة من حديث علي رضي الله عنه بلفظ ((إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قرض جر منفعة)) . (٢) والحديث هذا وإن كان في سنده مقال فإن لم يصح لفظه فهو صحيح المعنى يعضده الحديث السابق، والحديثان اللذان مرَّا معنا في الفقرة السادسة.


(١) شرح جلال الدين المحلي على منهاج الطالبين بهامش قليوبي وعميرة: ٢/٢٥٧.
(٢) نيل الأوطار: ٥/٢٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>