١٣- البيع بالنسيئة له مردود عكسي لما هو المفروض بين المسلمين من المحبة والألفة والتعاون، إذ يؤدي في كثير من الحالات إلى الكراهة والتنافر والتباغض بينهم المحرمة بنصوص كثيرة من الكتاب والسنة.
إننا نجد في بعض الأحيان شخصًا يحتاج إلى مبلغ من المال لايفاء دين حالّ واجب الدفع، أو معالجة نفسه من داء مؤذٍ أو معالجة أحد أفراد أسرته ولا يجد من يستدينه لحين اليسار، فيضطر إلى شراء سلعة بالنسيئة ليبيعها ويستعين بثمنها فيما هو فيه من حاجة، فيعرض أمره على بائع يعرف اضطراره فيبيعه السلعة بسعر مرتفع ارتفاعًا طرديًّا مع مدة الأجل.
فهنا ماذا يكون انطباع المشتري عن البائع؟ وعلى أية نفسية تنطوي عليها جوانحه، ألا يمتد إلى مسالك قلبه دواعي الكره والبغض نحو هذا البائع الذي استغل حاجته فباعه السلعة بأكثر من سعر السوق مقابل الأجل، بدل مساعدته ومد يد العون إليه وإقراضه ما يحتاجه من المال، أو بيعه السلعة بسعر السوق إن لم تطاوعه نفسه في الإقراض؟
إنه قد تدعوه هذه الكراهة إلى إيذائه بالمماطلة في تسديد الدين عند حلول الأجل لما وجد منه من الأنانية والطمع والجشع وتناسي معاني الأخوة التي تفرض التراحم والتواد والتعاون بينه وبين بني دينه.
هذه من ناحية، ومن ناحية أخرى إن هذا البيع يشجع بعض من ليس لديهم من الوازع الديني، ما يمنعهم من الطمع في أموال الناس وأكلها بالباطل فيلتمسون هذه الوسيلة في الشراء فيشترون الحاجيات بالنسيئة وهم يصممون ابتداء على عدم الوفاء بما يترتب في ذمتهم من المبالغ لصحابها، فيؤدي الأمر بالنتيجة إلى المنازعة والخصام والعداوة وعرض الأمر من الخصام على المحاكم، وإلى ما يستتبعه هذا العرض من المتاعب الخاصة بالإجراءات القضائية من إشغال القضاة والترافع الذي قد يحتاج إلى عدة من الجلسات.
وتدعوني المناسبة أن اذكر أنني أعرض شخصًا كان لديه محل لبيع السيارات، ساقه الطمع للبيع بالنسيئة بسعر يطرد ارتفاعه مع طول مدة الأجل في كل بيع، فتوجه إليه أصحاب النفوس المستحلة للحرام، والذين يبطنون غير ما يظهرون فاشتروا منه ما لديه من السيارات التي بلغت قيمتها عشرات الآلاف من الدنانير خلال فترة وجيزة، وكلما حل موعد دفع الأقساط ماطل المشترون وسوفوا وادعوا الخسارة، ولم ينل منهم البائع إلا إعراض الوجه والابتعاد عنه، وأصبح بعد أن كان يملك هذه العشرات من آلاف الدنانير صفر اليدين لا يدري كيف يؤمن عيش عائلته اليومي؟
أعتقد أن ما ذكرته في هذه الفقرة من حصول المتاعب والكراهة والخصام والمنازعة بين المتبايعين يمكن أن يكون ممسكًا آخر للقول بحرمة البيع بالنسيئة بسعر أعلى من سعر البيع بالنقد، إذ أننا كثيرًا ما نجد الفقهاء يقولون بتحريم أمر من الأمور لا لذاته، وإنما لما يترتب عليه من النتائج السيئة من المخاصمة والمنازعة، ويرون عدم جوازه سدًّا للذريعة، لأن فتحها يؤدي إلى الإخلال بنظام المجتمع في جانب من جوانبه، وحياة الأفراد في وجه من وجوهها.