للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقارنة العقود البحرية بالعقود في الفقه الإسلامي:

العقود البحرية أو الدولية تتم بين المتعاقدين دون رؤية للمبيع وإنما تتم ببيان نوع البضاعة وصنفها وكميتها وعلاماتها وأرقامها بحيث يمكن تمييزها عن غيرها من البضائع ويشترط عند التسليم أن تكون البضاعة معينة بعلامة خارجية ظاهرة وتفرغ هذه البيانات في سند الشحن وأن تكون بيانات سند الشحن متطابقة مع البيانات الثابتة والمحددة في فواتير البيع، ونظرًا لانتشار وتوسع التبادل التجاري والاقتصادي بين دول العالم، ولما كان البيع هو الأداة القانونية الفعلية التي يتحقق بها هذا النشاط الاقتصادي فقد أخذ المعنيون بالتجارة الدولية بوضع عقود نموذجية تتضمن الشروط العامة للبيع وقواعد التسليم وتفتتح عادة هذه العقود بوضع بعض التعريفات المحددة للمصطلحات والتعبيرات التجارية التي يتكرر استخدامها بعد ذلك في بنود العقد وتحديد صنف البضاعة وبيانها من جهة ذكر صفاتها وخصائصها ودرجة جودتها، كما تتضمن المدد والآجال وما يتعلق بمهلة فحص البضاعة ومدة الأخطار عن عدم مطابقة البضاعة المسلمة للبضاعة المطلوبة وتحديد المدد الخاصة برفع الدعاوي والمطالبات وتشير أيضًا إلى صور الجزاء التي يتعين إعمالها في حالة مخالفة نصوص العقد وأحكامه، كما تتحدث عن ضمان العيب وخاصة بالنسبة للآلات والأدوات والسلع المصنوعة.

ونستطيع بعد هذا العرض الموجز للطريقة التي تتم بها هذه العقود أن نجري دراسة سريعة أيضًا في عرض بعض الملامح الأساسية للعقود المشابهة لها في الفقه الإِسلامي وذلك في مطلبين:

نخصص المطلب الأول في دراسة سريعة لأنواع العقود في الفقه الإِسلامي، ونخصص المطلب الثاني في مقارنة هذه العقود بالعقود الحديثة لاستخلاص أوجه الشبه بينها.

المطلب الأول

في أنواع العقود في الفقه الإِسلامي

البيع في الفقه الإِسلامي على ثلاث أضرب:

الأول: بيع عين حاضرة وهي المرئية الرؤية المعتبرة في صحة البيع وهذا جائز بلا خلاف إذا استجمع الشروط الأخرى.

الثاني: بيع عين غائبة سواء كانت غائبة عن مجلس العقد أو حاضرة فيه ولم يرها المتعاقدان أو أحدهما أو رأياها قبل، فإن لم تتغير عادة كأرض وثياب رأياها منذ نحو شهر أو احتمل تغيرها وعدمه صح أو غلب تغيرها كفاكهة لم يصح.

الثالث: بيع عين في الذمة ويشمل نوعين:

١- بيع عين موصوفة في الذمة.

٢- عقد السلم.

قال شيخ الإِسلام زكريا الأنصاري عن بيع العين الموصوفة في الذمة: " والعين التي في الذمة يصح بيعها بذكرها مع جنسها وصفتها مع بقية الصفات التي تذكر في السلم، وعد هذا بيعًا لا سلمًا مع أن العين في الذمة اعتبارًا بلفظ البيع فلا يشترط فيه تسليم الثمن قبل التفرق إلا أن يكون ذلك في ربويين فيشترط فيه التقابض قبله كما في العين الحاضرة وهذا إذا لم يذكر بلفظ السلم، فإن ذكر كأن قال: بعتك كذا سلمًا كان سلمًا وعلى كون ذلك بيعًا يشترط تعيين أحد العوضين في المجلس وإلا يصير بيع دين بدين وهو باطل (١) ، ولكن لا يشترط قبضه في المجلس لأن التعيين بمنزلة القبض (٢) بخلاف السلم، فإنه يشترط قبض رأس مال السلم في المجلس (٣) .

مذاهب العلماء في حكم بيع العين الغائبة:

قال النووي: قد ذكرنا أن أصح القولين في مذهبنا بطلانه.

وقال ابن المنذر فيه ثلاثة مذاهب:

الأول: مذهب الشافعي أنه لا يصح.

الثاني: يصح البيع إذا وصفه وللمشتري الخيار إذا رآه سواء أكان على تلك الصفة أم لا، وهو قول الشعبي والحسن والنخعي والثوري وأبي حنيفة وغيره من أهل الرأي.

والثالث: يصح البيع وللمشتري الخيار إن كان على غير ما وصف وإلا فلا خيار، قاله ابن سيرين وأيوب ومالك وعبيد الله بن الحسن وأحمد وأبو ثور وابن نصر قال ابن المنذر وبه أقول (٤) .


(١) حاشية الشرقاوي على التحرير: ٢/١٥-١٧.
(٢) حاشية الشرقاوي على التحرير: ٢/١٥-١٧.
(٣) حاشية الشرقاوي على التحرير: ٢/٢٣.
(٤) المجموع: ٩/٣٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>