للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها قوله تعالى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [سورة الزمر: الآية ٦٧] ، أي في يده، وتحت قدرته (١) قال ثعلب: " هذا كما تقول: هذه الدار في قبضتي ويدي، أي في ملكي، قال: وليس بقوي " (٢) وقوله تعالى: ... {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [سورة البقرة: الآية ٢٨٣] .

وورد لفظ "قبض" ومشتقاته في السنة كثيرًا، وهي تدور حول معانيه اللغوية السابقة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: ((قبض الله عز وجل أرواحنا وقد ردّها إلينا)) . (٣) أي أخذها، وروى البخاري تعليقًا بصيغة الجزم أن ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه (٤) أي وضع كفه عليها، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: ((... ولم يكن قبض من ثمنها شيئًا فهي له)) (٥) وغير ذلك كثير.

القبض في الاصطلاح:

إذا كان القبض في اللغة هو أخذ أي شيء، أو التمكن منه فإنه في الاصطلاح الفقهي أخص منه حيث هو مخصص بالمعقود عليه، لكنه ثار الخلاف بين الفقهاء في تحديد مفهومه تبعًا لوجهات نظرهم المختلفة في كيفية تمام القبض.

ثم إن أكثر الفقهاء لم يريدوا أن يضعوا تعريفًا جامعًا لجميع أقسام القبض، وإنما بينوه من خلال أنواعه، كما أنهم أرجعوا أمره كقاعدة أساسية إلى العرف، ولذلك ننقل نصوص الفقهاء بشيء من الإِيجاز للوصول إلى حقيقة القبض.

فعند الحنفية – كما يقول الكاساني -: "التسليم والقبض عندنا هو التخلية، والتخلي، وهو أن يخلي البائع بين المبيع وبين المشتري برفع الحائل بينهما على وجه يتمكن المشتري من التصرف فيه، فيجعل البائع مسلمًا للمبيع، والمشتري قابضًا له، وكذا تسليم الثمن من المشتري إلى البائع"، وذكر ابن عابدين أن من شروط التخلية التمكن من القبض بلا حائل، ولا مانع، ولكن صاحب "الأجناس" اشترط شرطًا ثالثًا، وهو أن يقول "خليت بينك وبين المبيع" (٦) .


(١) تفسير الرازي: ٢٧/١٧، وتفسير الماوردي: ٣/٤٧٣.
(٢) لسان العرب: ص ٣٥١٣. ونحن حقًّا لسنا مع التأويل في مثل هذه الآيات، وإنما نثبت لله تعالى ما أثبته لذاته العلية مع التنزيه، وعدم التشبيه.
(٣) مسند أحمد ٤/٩١ عن ذي مخمر الحبشي.
(٤) صحيح البخاري – مع الفتح – كتاب اللباس ١٠/٣٤٩.
(٥) رواه ابن ماجه، كتاب الأحكام: ٢/٧٩٠، الحديث ٢٣٥٩.
(٦) بدائع الصنائع، ط. الإِمام بالقاهرة: ٧/٣٢٤٨، ورد المحتار على الدر المختار، ط. دار إحياء التراث العربي: ٤/٤٢، والفتاوى الهندية، ط. دار إحياء التراث العربي: ٣/١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>