للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التعريف المختار للقبض:

بعد هذا العرض لأقوال الفقهاء، وترجيح رأي القائلين: بأن القبض هو التخلية حسب العرف إلا في الطعام للأدلة الدالة عليه حيث لا يجوز بيعه إلا بعد كيله، أو وزنه، أو نقله وتحويله أو استيفائه، وذلك لأن "القبض" ورد في الشرع اعتباره، ولم يرد تفسيره فيه، وكذلك لا نجد له في اللغة معنى خاصًّا محددًا، بل وجدناه تدور معانيه حول: الأخذ والقبول للمتاع وإن لم يحول – كما قاله ابن الأعرابي – والتداول، والتمكن، والقدرة على الشيء كما سبق.

ومن هنا فالمرجع في ذلك إلى العرف، وعلى ضوء ذلك يمكن أن نقول في تعريفه المختار: هو: التخلية بين العاقد والمعقود عليه على وجه يتمكن من التسلم بلا مانع ولا حائل حسب العرف.

هذه هي حقيقة القبض في نظرنا لكن الدليل – كما قلنا – قام بخصوص الطعام فقيد جواز تصرف المشتري قبل تحويله ونقله إن كان قد بيع جزافًا، وقبل كيله أو وزنه إن كان قد بيع كيلًا أو وزنًا.

ما يشترط فيه القبض الفوري:

ثم إن كان العقد في الصرف (والنقود) فلا بد من القبض داخل المجلس، حيث إنه جامع المتفرقات.

ثم إن الجمهور – أي الحنفية، والشافعية، والحنابلة – لم يشترطوا الفورية في الصرف ما دام المجلس باقيًا (١) ، ولذلك كان بإمكان أحد العاقدين فيها أن سلم الثمن أو المثمن في آخر المجلس حتى ولو عقده في أول المجلس، حتى قال ابن قدامة وغيره: "ولو تماشيا مصطحبين إلى منزل أحدهما، أو إلى الصراف فتقابضا عنده جاز ..."، لأنهما لم يفترقا قبل التقابض، فأشبه ما لو كانا في سفينة تسير بهما ... وقد دل على ذلك حديث أبي برزة الأسلمي للذين مشيا في جانب العسكر، "وما أراكما افترقتما" (٢) .

غير أن المالكية اشترطوا القبض الفوري في الربويات قال ابن رشد: ((إن تأخر القبض في المجلس بطل الصرف وإن لم يفترقا ...)) وسبب الخلاف ترددهم في مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: ((إلا هاء وهاء)) (٣) وذلك أن هذا يختلف بالأقل والأكثر، فمن رأى أن هذا اللفظ صالح لمن لم يفترق من المجلس – أعني أنه يطلق عليه أنه باع ((هاء وهاء)) – قال: يجوز التأخير في المجلس، ومن رأى أن اللفظ لا يصح إلا إذا وقع القبض من المتصارفين على الفور قال: ((إن تأخر القبض عن العقد في المجلس بطل الصرف ...)) (٤) .


(١) حاشية ابن عابدين: ٤/١٨٢، والغاية القصوى: ١/٤٦٥، والروضة: ٣/٣٧٨، والمغني لابن قدامة: ٤/٥٩.
(٢) المغني: ٤/٥٩-٦٠.
(٣) جزء من الحديث الصحيح الذي رواه البخاري في صحيحه – مع الفتح -: ٤/٣٧٩ –٣٨٣، ومسلم: ٣/١٢٠٨.
(٤) بداية المجتهد: ٢/١٩٧، وبلغة السالك: ٢/٣٦٩، والموطأ: ص ٣٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>