٢- الأعمال المرتبطة بالأشهر القمرية:
قد علمنا فيما سبق أن الشهور القمرية هي التي تدور عليها أحكام الشريعة الإسلامية الزمنية، لا الشمسية؛ وذلك لظهور علامتها، وسهولة معرفتها لجميع الطبقات؛ من بدوي ومدني.
ولفظ الشهر والسنة إذا إطق في عرف الشريعة الإسلامية فإنه يقع على القمرية، فالتأجيل في الشهور والسنين هلالية عند الإطلاق؛ لذا ربط الله بها أعمالا كثيرة، كحرمة القتال في الأشهر الحرم، قال تعالى: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً}
ومنها: كفارة الظهار، إذا كانت صوما، قال تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ}
ومنها: عدة الوفاة، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}
ومنها: عدة الآئسة المطلقة، قال تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ}
ومنها: أداء الحج، فإنه لا يصح إلا في أشهر ثلاثة قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}
وهي: شوال، ذو القعدة، وعشر ليال من ذي الحجة فالجمع للتغليب، وقد بينته السنة النبوية الشريفة.
ومنها: الصيام المفروض علينا في رمضان، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} إلى آخر الآيات ... وغير ذلك من الأعمال المرتبطة بالشهور أو بالسنين، كالأجل للديون، وغيرها من المعاملات.
فكل هذه الأعمال وغيرها من الأعمال المربوطة بالشهور والسنين تحتاج إلى ظروفها الخاصة وتعداد أشهرها القمرية. وقد قيل: " أن حول الزكاة الحولية من هذه الأعمال التي تتعلق بالسنة القمرية فلو عاش غني مسلم في غناه (٣٣) عاما شمسيا وأخرج زكاة تجارته سنويا بالعام الشمسي فإنه بقي في ماله زكاة عام آخر؛ لأن كل (٣٣) عاما شمسيا يكون (٣٤) عاما قمريا.
وهذا مما يفرض على المسلمين أن يعتنوا بالمحافظة على الشهور القمرية بصفة عامة، وبالمحافظة على الأشهر التي تعلقت بعينها أحكام محدودة بصفة خاصة - كالأشهر الحرم وأشهر الحج ورمضان والتي قبلها - وهي: سبعة أشهر متوالية: رجب، شعبان، رمضان، شوال، ذو القعدة، ذو الحجة، محرم؛ لأن ثبوت رمضان في حالة الغيم ونحوه يكون بإكمال عدة شعبان ثلاثين يوما - كما سيأتي - وأن ذلك التعداد لا يمكن إلا بثبوت بداية أشهر الحج، ونهايتها بداية الأشهر الحرم وهلم جرا ... إلى نهاية شهر محرم؛ لأن به بداية الأشهر التي يباح فيها بدء قتال الأعداء، ولا تنس التشويش والشكوك التي أثار المشركون غبارها حول قتل الحضرمي.