الفرق الرابع والأخير: بين السفتجة القديمة والتحويل المصرفي اليوم: وهو أن المصرف يأخذ عمولة من طالب التحويل مع المبلغ المطلوب تحويله ولا يوجد هذا في عملية السفتجة القديمة التي تكلم عنها الفقهاء.
فنقول في هذا الفرق: إن في هذه العمولة إشكالا بحسب الظاهر، لا سيما إذا قلنا إن العملية من قبيل القرض وقد نص بعض الفقهاء على أنه لا يجوز في القرض اشتراط يجر نفعًا للمقترض كما لا يجوز اشتراط يجر نفعًا للمقرض.
ولكن شرط جر النفع للمقرض يعتبر ربا وشرط جر النفع للمقترض يعتبر زيادة إرفاق من المقرض للمقترض فيكون وعدًا حسنًا، ولا يلزمه تنفيذه اكتفاء بأصل الإرفاق. على أن بعض الحنابلة أجازوا في القرض اشتراط دفع المقترض أقل مما أخذ. كما لو قال: أقرضك مائة دينار على أن تردها لي تسعة وتسعين، فيجوز ذلك لأنه زيادة إرفاق بالمقترض، وقد التزمه المقرض فيلزمه. وليس للإرفاق حد يجب الوقوف عنده ولاسيَّما أن هذا الشرط مضاد للربا ففي التزامه تأكيد التبري من الربا، فهذا القول عند الحنابلة جيد جدًّا ويسعف في تخريج العمولة.
٣- ثم إن بين المعاملات التي يقوم بها الأفراد والمعاملات التي تقوم بها المصارف فرقًا شاسعًا، فالمقترض في السفتجة القديمة لا يقوم بعمل للمقرض ولا يتحمل مئونة، لأنه إذا كان مسافرًا لحاجة نفسه، وغالبًا ما يتّجر في البلده أو في طريقه أو في البدل الذي يصل إليه وقد أصبح المال الذي أقترضه ملكًا له، فأرباحه كلها تخصه، وما صنع شيئًا للمقرض سوى كتابته الصك، ثم توفية الدين له أو لصديقه مثلاً.
أما المصرف الذي اعتبر مقترضًا في عملية التحويل فيختلف عن المقترض في السفتجة، فهو شخصية اعتبارية تجمع موظفين وعمالا يتقاضون رواتب شهرية غير مرتبطة بالعمل قلة وكثير، ويتخذ مقرًّا مجهزًا بأثاث وأدوات وآلات كثيرة لاستقبال العملاء وقضاء حاجاتهم، ثم إن العملية ليست كتابة ورقة فحسب وإنما هي إجراءات كثيرة ذات كلفة مالية، فلو لم يأخذ عمولة لما استطاع تغطية النفقات الطائلة التي ينفقها، فاشتراط العمولة محقق للعدالة ومتفق مع أصل التشريع الإسلامي، وليس هناك نص أو إجماع على منع مثل ذلك.