للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تتفق الآراء الفقهية على فساد الصرف إذا لم يكن فيه قبض فقد نقل السبكي في المجموع عن ابن المنذر أنه قال: (أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المتصارفين إذا افترقا قبل أن يتقابضا أن الصرف فاسد) (١)

ولكن الآراء الفقهية تختلف في المراد بالقبض، فالقبض على ما يرى الحنفية مراد به التعيين باعتبار أن اليد في قوله صلى الله عليه وسلم (يدًا بيد) ليس مرادًا بها اليد الجارحة.

كما يقول الكاساني في معرض رده على أخذ الشافعي بظاهر اللفظ بهذا الحديث – بل يمكن حمل اليد على التعيين لأنها آلته ولأن الإشارة باليد سبب التعيين (٢) ، ولذلك فإنه إذا وقع البيع على مال ربوي بمال ربوي آخر (قمح بشعير مثلا) ، فإن تعيينهما يقوم – عند الحنفية – مقام القبض ولكن الأمر يختلف عندهم بالنسبة للنقود، وذلك لأن الدراهم والدنانير لا تتعين عند الحنفية بالتعيين ولذلك كان لا بد من التقابض (٣) .

فإذا انتقلنا من حالة الكلام في البيع الذي يجري فيه الصرف بالمناولة (خذ وهات) إلى حالة وقوع الصرف في الذمة، فإن الصورة تتضح بأن المراد من القبض هو التعيين الذي تثبت به الحقوق وليس المراد شكله بالأخذ والإعطاء فلنستمع إلى ما يرويه ابن عمر – رضي الله عنهما – بقوله: كنت أبيع الإبل في البقيع أبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وأخذ الدنانير فوقع في نفسي من ذلك، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت حفصة – أو قال حين خرج من بيت حفصة – فقلت: يا رسول الله رويدك أسألك: إني أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وأخذ الدنانير، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: "لا بأس أن تأخذها بسعر يومها، ما لم تفرقا وبينكما شيء" (٤) .

ومن الواضح أن هذا التصارف الجاري على ما في الذمة ليس فيه تقابض بمظهره الشكلي – بأن يبرز كل طرف ما يريد مصارفته بل كان يتم على أساس أن الحق القائم بهيئة دنانير في الذمة يسدد بما يؤدى في مقابلها من دراهم بسعر اليوم.


(١) السبكي، الجزء العاشر: ص ٦٥.
(٢) الكاساني، الجزء السابع: ص ٣١٩.
(٣) السبكي، الجزء العاشر: ص ٦٦.
(٤) البيهقي، الجزء الخامس: ص ٢٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>